الرئيسية
المنشورات
إعصار الثورة الذي هز الساحة العربية!
بقلم: مكرم محمد أحمد
رغم
استمرار موجة الانتفاضات الشعبية التي تطالب منذ أكثر من شهر بإصلاح الحكم
أو تغييره في عدد من الدول العربية لاتزال خطي الثورة تتعثر في بعض
المواقع
بقلم: مكرم محمد أحمد
رغم
استمرار موجة الانتفاضات الشعبية التي تطالب منذ أكثر من شهر بإصلاح الحكم
أو تغييره في عدد من الدول العربية لاتزال خطي الثورة تتعثر في بعض
المواقع
وتواجه الكثير من المشكلات والعقبات التي تعطل مسيرة الحرية السياسية
التي تحققت في كل من مصر وتونس, ربما بصورة أقل صعوبة وكلفة من الصورة
التي تمضي عليها الأمور في ليبيا واليمن حيث تتواصل مسيرات المؤيدين
والمعارضين لحكم الرئيس علي عبدالله صالح ويسقط كل يوم المزيد من الضحايا
بينما يصر المطالبون علي تنحيته في عدد من الميادين المهمة في مدن صنعاء
وتعز وإب ولحج وحضرموت ويزداد زخمهم بعد إعلان الشيخ حسين الأحمر شيخ مشايخ
حاشد أقوي القبائل اليمنية وأكثرها تنظيما والشيخ عبدالمجيد الزنداني زعيم
التيار الديني المحافظ انضمامهما إلي الثوار وكان الاثنان من أكثر حلفاء
الرئيس اليمني.
وفي ليبيا, لايزال العقيد القذافي يصر علي سحق الثورة التي سكنت المنطقة
الشرقية ابتداء من مساعد علي الحدود الليبية المصرية إلي بنغازي, بينما
يتحصن العقيد في العاصمة طرابلس علي مسافة600 كيلومتر من بنغازي ويشن
منها عمليات هجوم متصلة علي مدن الزاوية ومصراته القريبتين من العاصمة,
يحاصرهما من الخارج ويمنع عنهما امدادات الغذاء برغم سيطرة الثوار علي
المدينتين واستبسالهم في الدفاع عنهما امام هجمات القذافي التي أدت إلي
سقوط مئات القتلي والجرحي وتخلص صورة الموقف الراهن في ليبيا في أحكام
الثوار سيطرتهم علي المنطقة الشرقية حيث جري تشكيل مجلس حكم ينظم أحوال
المنطقة ويرتب دفاعاتها الشعبية بمعونة ضباط الجيش الليبي الذين انضموا إلي
الثوار ضد أي هجوم محتمل من جانب القوات الموالية للعقيد لكن مشكلة ثوار
المنطقة الشرقية انهم لا يقدرون علي الزحف إلي طرابلس لإسقاط حكم العقيد,
كما يخشون أن يستخدم العقيد الطيران الليبي لقصف تجمعاتهم في بنغازي
والمنطقة الشرقية كما فعل مع مدينتي الزاوية ومصراته في الغرب.. وبرغم أن
المجلس المدني الحاكم في بنغازي يرفض أي تدخل أجنبي بري علي الأرض الليبية
فإنه يعتبر فرض المجتمع الدولي لحظر الطيران الليبي فوق الأجواء الليبية
أمرا حالا وضروريا لأنهم لايستطيعون مجاراة قدرات العقيد الذي لم يزل يسيطر
علي القواعد الجوية في المنطقة الغربية ويحكم قبضته علي عدد من كتائب
الجيش الليبي حسنة التجهيز التي يقودها ولداه سعدي وخميس, كما يطلب
المجلس الحاكم لبنغازي نوعا من الرقابة العسكرية للسواحل الليبية ابتداء من
طرابلس إلي طبرق شرقا لمنع العقيد القذافي من استخدام سلاحه البحري لضرب
بنغازي من البحر.
والواضح حتي الآن أن القوي الغربية لاتزال منقسمة علي نفسها حول فرض الحظر
الجوي علي الأجواء الليبية بدعوي أن فرض الحظر الجوي يتطلب أولا قصف قواعد
ليبيا الجوية وتدمير دفاعاتها الصاروخية التي يمكن أن تشكل خطرا علي
طائرات الغرب التي ستقوم بمهمة فرض الحظر الجوي فضلا عن اعتراض الروس الذين
يفضلون التريث علي أمل أن تؤثر العقوبات التي فرضها مجلس الأمن علي مواقف
العقيد, ولا يخفي وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس قلقه من استنزاف
القدرة العسكرية الأمريكية في بلد عربي آخر غير العراق وأفغانستان برغم
وصول بعض القطع الأمريكية الحربية إلي البحر الأبيض قريبا من الشواطئ
الليبية بدعوي المساعدة في إجلاء الرعايا الأجانب.
وتشير مجريات الأحداث في كل من اليمن وليبيا إلي أن الأمر يمكن ان يستغرق
زمنا أطول وأن المخاض الأخير ربما يكون صعبا وداميا خاصة في ليبيا حيث يهدد
العقيد القذافي بفتح مخازن السلاح لتسليح القبائل واثارة حرب أهلية تحرق
ليبيا في جهنم حمراء! ويظل السؤال هنا هل يخذل الغرب والأمريكيون الشعب
الليبي ويتباطأون في تنفيد الحظر الجوي ورقابة السواحل الليبية ويتركون
للعقيد فرصة أن يقضم مناطق الثوار قطعة قطعة كما يفعل الآن؟!
وبرغم هذه الهواجس ثمة حقيقة مهمة تترسخ علي أرض الواقع العربي مفادها أن
العالم العربي غادر بالفعل مرحلة تاريخية غاب عنها الحكم الرشيد في مناطق
عديدة منه وسيطر عليها حكم أبوي طغت فيه سلطة الفرد علي حقوق المجتمع
والمواطنين وتحولت خلالها غالبية نظم الحكم الجمهورية إلي أشباه نظم ملكية
يتم فيها تمديد الحكم وتوريثه رجعة إلي عصر المماليك إلي أن يلقي الحاكم
وجه ربه مقتولا أو طاعنا في السن وترتكب فيها جرائم فساد وطغيان بغير
حصر, غادر العالم العربي هذه المرحلة إلي مرحلة أخري مختلفة تماما قلبت
الأوضاع رأسا علي عقب.. ومن عمق حالة الاحباط واليأس التي عاشها أكثر
من100 مليون شاب عربي يشكلون أغلبية العالم العربي جميعهم دون سن الخامسة
والعشرين يتابع معظمهم ما يجري في العالم ويتواصلون علي الشبكة العنكبوتية
ويعانون البطالة والاهمال ويقرأون كل يوم أرقاما فلكية عن ثروات قلة
محظوظة ضخم الفساد نفوذها وسلطانها من عمق هذا الاحباط واليأس أشعل شاب
تونسي بائع خضراوات جامعي النار في نفسه غضبا وضيقا من إهدار كرامته
المهدرة ليحدث الانفجار الكبير الذي حول جموع الشباب في عدد من البلاد
العربية إلي قوة ثورية مهولة وكتلة من إرادات وطنية شابة صح عزمها,
تجاوزت كل الانقسامات العقائدية والدينية والطائفية تصر علي مطالب الإصلاح
الشامل, الآن وليس غدا, وإلا كان البديل, اسقاط الحكم واحدثت تغييرا
جذريا في علاقات الحكم صحح وزن الشارع السياسي وجعل الحاكم يخاف لأول مرة
من المحكوم وينشد وده ورضاه.
سقط الخوف من الجميع فأصبحوا في القاهرة وبنغازي وصنعاء والزاوية ومصراته
يتكلمون بأسمائهم وأماكنهم أمام عدسات التصوير, شباب وشيوخ, فتيات
وربات بيوت, صبيان وبنات, أسر بأكملها لم تعد تبالي أو تخشي, تطالب
بالإصلاح أو الرحيل وتصيغ لنفسها ولثورتها أهدافا واضحة صادقة وبسيطة دون
ايديولوجيات عقائدية أو دينية, تصر علي أن يكون هدف الإصلاح دولة مدنية
ديمقراطية الأمة فيها مصدر كل السلطات ويؤكدون للعالم أجمع أن ثورة الشباب
العربي هي صناعة محض محلية لاعلاقة لها بالخارج, وإن كان بعضهم قد أحسن
استخدام أدوات عصره, وتمكن من تنظيم قدراته عبر شبكة الاتصالات الدولية
علي هذا النحو المذهل, ونجح في تحقيق أهدافه في غضون أسابيع محدودة دون
عنف أو تخريب أو القيام بعمليات انتحارية تدمر الأرواح والممتلكات, يسقط
خلالها المئات من الضحايا الأبرياء.
أكد هؤلاء الشباب بتجربتهم الإنسانية والعصرية زيف فكر تنظيم القاعدة
وغيرها من التنظيمات المتطرفة وجاهليتها وتخلفها وإفلاسها الذي يؤكد انها
أصبحت هي الأخري جزءا من مرحلة تاريخية تنتمي الي الماضي تتواري بعد أن ظلت
لأكثر من20 عاما تحارب أنظمة الحكم العربية وتزهق أرواح الأبرياء, ولم
تحقق سوي الخراب والإفساد وتشويه صورة الإسلام واستعداء الغرب علي
الجاليات المسلمة في المهجر وإتهام كل مواطن عربي بأنه إرهابي واخضاعه
لمذلة التفتيش الذاتي في المطارات والموانئ العالمية إلي أن يثبت العكس,
ومع ذلك يصر العقيد القذافي علي استخدام القاعدة كفزاعة, ويحاول إقناع
نفسه بأن القاعدة هي التي نظمت احتجاجات الشباب الليبي وهي التي أمدتهم
بحبوب الهلوسة التي جعلتهم يثورون علي العقيد المحبوب للغاية من عموم
شعبه! لايريد أن يصدق أن الشعب الليبي يريد رحيله بعد42 عاما من حكم
فاسد.
وفي صنعاء تزداد المخاوف من أن يسعي تنظيم القاعدة الذي اختار اليمن ملاذا
آمنا الي ملء الفراغ الذي يمكن ان ينشأ برحيل نظام حكم الرئيس علي عبد
الله ويزداد حجم نشاطها بعد أن جعلت من اليمن قاعدة أساسية لعملياتها في
شبه الجزيرة, ومنطلقا لعمليات ارهابية متقدمة تطال أهدافا أمريكية, لكن
الواضح من انتفاضة الشباب اليمني أنها بريئة تماما من فكر القاعدة: لم
تتلوث بأفكار العنف وعقائد الجهاد الفاسدة, هدفها الأول والأخير بناء يمن
عصري يتمتع بالحكم الرشيد, يجتث الفساد ويحترم تداول الحكم ويسعي الي
تحسين حياة شعبه ومحاربة العوز والفقر والجهل والتخلف التي تشكل بيئة
ملائمة تحسن القاعدة استغلالها.
وبرغم تتابع انتفاضات الشباب في كل من مصر وتونس واليمن وليبيا وقواسمها
المشتركة المتمثلة في عدد من المطالب التي رفعها المحتجون في مختلف العواصم
أملا في دولة مدنية قانونية ديمقراطية, يبقي لكل بلد عربي ظروفه الخاصة
التي تؤثر علي مسار تطوره وتحدد سقف مطالبه وخياراته, وذلك ما يجعل
الحوار الوطني بين الحكم والمعارضة والشباب الثائر ضرورة في كل بلد عربي,
يستهدف وصول كافة الأطراف الي توافق وطني حول قضايا الاصلاح وسبله
وبرامجه, واعادة الثقة المفقودة بسبب وعود كثيرة سابقة للحكم لم يتم
تنفيذها وإشراك مؤسسات الدولة والمجتمع المدني في إقرار الضمانات التي تؤكد
حسن التطبيق.
ومثل كل ثورات التاريخ سوف تواجه ثورة الشباب العربي مصاعب وانتكاسات
وهبوطا وصعودا وأخطاء ربما يحسن علاجها أولا بأول من خلال المصارحة
والمكاشفة, ونقد الذات والتعلم من تجارب أجيال سابقة والابتعاد عن تقديس
المعتقدات والأفكار لأنها نتاج عمل انساني يمكن أن يخالطها الخطأ, وتجنب
الإدعاء باحتكار الحكمة والمعرفة ورفض الرأي الآخر, وعدم مجاراة سعي
البعض الي اجتثاث الثورة من واقعها وحاضر أمتها وتراكمات تجارب شعبها
وكأنها ولدت بغير جذور.. لقد فسدت الثورات الفرنسية والبلشفية والمصرية
والفلسطينية لكثرة النفاق الذي أحاطها ولأن القائمين عليها كبر عليهم أن
يكونوا موضع النقد والتصحيح, ولأنها انغمست حتي النخاع في خصومات وتارات
قام معظمها علي أسس واهية وغير صحيحة, وربما يكون أكثر ما يخشاه الإنسان
علي ثورة الشباب في مصر غياب الإدراك العميق لخطورة فقدان الاستقرار والأمن
وتراجع أولوياته علي سلم اهتمامات الثورة والاصرار علي تنفيذ كل الأهداف
صغيرها وكبيرها مرة واحدة, وعدم التقدير الصحيح لحجم التحديات الاقتصادية
التي تواجه مصر وتتطلب سرعة عودة الحياة الي أوضاعها الطبيعية وتجاهل حالة
الإحباط التي بدأت تتسرب الي جموع عديدة من المصريين.
التي تحققت في كل من مصر وتونس, ربما بصورة أقل صعوبة وكلفة من الصورة
التي تمضي عليها الأمور في ليبيا واليمن حيث تتواصل مسيرات المؤيدين
والمعارضين لحكم الرئيس علي عبدالله صالح ويسقط كل يوم المزيد من الضحايا
بينما يصر المطالبون علي تنحيته في عدد من الميادين المهمة في مدن صنعاء
وتعز وإب ولحج وحضرموت ويزداد زخمهم بعد إعلان الشيخ حسين الأحمر شيخ مشايخ
حاشد أقوي القبائل اليمنية وأكثرها تنظيما والشيخ عبدالمجيد الزنداني زعيم
التيار الديني المحافظ انضمامهما إلي الثوار وكان الاثنان من أكثر حلفاء
الرئيس اليمني.
وفي ليبيا, لايزال العقيد القذافي يصر علي سحق الثورة التي سكنت المنطقة
الشرقية ابتداء من مساعد علي الحدود الليبية المصرية إلي بنغازي, بينما
يتحصن العقيد في العاصمة طرابلس علي مسافة600 كيلومتر من بنغازي ويشن
منها عمليات هجوم متصلة علي مدن الزاوية ومصراته القريبتين من العاصمة,
يحاصرهما من الخارج ويمنع عنهما امدادات الغذاء برغم سيطرة الثوار علي
المدينتين واستبسالهم في الدفاع عنهما امام هجمات القذافي التي أدت إلي
سقوط مئات القتلي والجرحي وتخلص صورة الموقف الراهن في ليبيا في أحكام
الثوار سيطرتهم علي المنطقة الشرقية حيث جري تشكيل مجلس حكم ينظم أحوال
المنطقة ويرتب دفاعاتها الشعبية بمعونة ضباط الجيش الليبي الذين انضموا إلي
الثوار ضد أي هجوم محتمل من جانب القوات الموالية للعقيد لكن مشكلة ثوار
المنطقة الشرقية انهم لا يقدرون علي الزحف إلي طرابلس لإسقاط حكم العقيد,
كما يخشون أن يستخدم العقيد الطيران الليبي لقصف تجمعاتهم في بنغازي
والمنطقة الشرقية كما فعل مع مدينتي الزاوية ومصراته في الغرب.. وبرغم أن
المجلس المدني الحاكم في بنغازي يرفض أي تدخل أجنبي بري علي الأرض الليبية
فإنه يعتبر فرض المجتمع الدولي لحظر الطيران الليبي فوق الأجواء الليبية
أمرا حالا وضروريا لأنهم لايستطيعون مجاراة قدرات العقيد الذي لم يزل يسيطر
علي القواعد الجوية في المنطقة الغربية ويحكم قبضته علي عدد من كتائب
الجيش الليبي حسنة التجهيز التي يقودها ولداه سعدي وخميس, كما يطلب
المجلس الحاكم لبنغازي نوعا من الرقابة العسكرية للسواحل الليبية ابتداء من
طرابلس إلي طبرق شرقا لمنع العقيد القذافي من استخدام سلاحه البحري لضرب
بنغازي من البحر.
والواضح حتي الآن أن القوي الغربية لاتزال منقسمة علي نفسها حول فرض الحظر
الجوي علي الأجواء الليبية بدعوي أن فرض الحظر الجوي يتطلب أولا قصف قواعد
ليبيا الجوية وتدمير دفاعاتها الصاروخية التي يمكن أن تشكل خطرا علي
طائرات الغرب التي ستقوم بمهمة فرض الحظر الجوي فضلا عن اعتراض الروس الذين
يفضلون التريث علي أمل أن تؤثر العقوبات التي فرضها مجلس الأمن علي مواقف
العقيد, ولا يخفي وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس قلقه من استنزاف
القدرة العسكرية الأمريكية في بلد عربي آخر غير العراق وأفغانستان برغم
وصول بعض القطع الأمريكية الحربية إلي البحر الأبيض قريبا من الشواطئ
الليبية بدعوي المساعدة في إجلاء الرعايا الأجانب.
وتشير مجريات الأحداث في كل من اليمن وليبيا إلي أن الأمر يمكن ان يستغرق
زمنا أطول وأن المخاض الأخير ربما يكون صعبا وداميا خاصة في ليبيا حيث يهدد
العقيد القذافي بفتح مخازن السلاح لتسليح القبائل واثارة حرب أهلية تحرق
ليبيا في جهنم حمراء! ويظل السؤال هنا هل يخذل الغرب والأمريكيون الشعب
الليبي ويتباطأون في تنفيد الحظر الجوي ورقابة السواحل الليبية ويتركون
للعقيد فرصة أن يقضم مناطق الثوار قطعة قطعة كما يفعل الآن؟!
وبرغم هذه الهواجس ثمة حقيقة مهمة تترسخ علي أرض الواقع العربي مفادها أن
العالم العربي غادر بالفعل مرحلة تاريخية غاب عنها الحكم الرشيد في مناطق
عديدة منه وسيطر عليها حكم أبوي طغت فيه سلطة الفرد علي حقوق المجتمع
والمواطنين وتحولت خلالها غالبية نظم الحكم الجمهورية إلي أشباه نظم ملكية
يتم فيها تمديد الحكم وتوريثه رجعة إلي عصر المماليك إلي أن يلقي الحاكم
وجه ربه مقتولا أو طاعنا في السن وترتكب فيها جرائم فساد وطغيان بغير
حصر, غادر العالم العربي هذه المرحلة إلي مرحلة أخري مختلفة تماما قلبت
الأوضاع رأسا علي عقب.. ومن عمق حالة الاحباط واليأس التي عاشها أكثر
من100 مليون شاب عربي يشكلون أغلبية العالم العربي جميعهم دون سن الخامسة
والعشرين يتابع معظمهم ما يجري في العالم ويتواصلون علي الشبكة العنكبوتية
ويعانون البطالة والاهمال ويقرأون كل يوم أرقاما فلكية عن ثروات قلة
محظوظة ضخم الفساد نفوذها وسلطانها من عمق هذا الاحباط واليأس أشعل شاب
تونسي بائع خضراوات جامعي النار في نفسه غضبا وضيقا من إهدار كرامته
المهدرة ليحدث الانفجار الكبير الذي حول جموع الشباب في عدد من البلاد
العربية إلي قوة ثورية مهولة وكتلة من إرادات وطنية شابة صح عزمها,
تجاوزت كل الانقسامات العقائدية والدينية والطائفية تصر علي مطالب الإصلاح
الشامل, الآن وليس غدا, وإلا كان البديل, اسقاط الحكم واحدثت تغييرا
جذريا في علاقات الحكم صحح وزن الشارع السياسي وجعل الحاكم يخاف لأول مرة
من المحكوم وينشد وده ورضاه.
سقط الخوف من الجميع فأصبحوا في القاهرة وبنغازي وصنعاء والزاوية ومصراته
يتكلمون بأسمائهم وأماكنهم أمام عدسات التصوير, شباب وشيوخ, فتيات
وربات بيوت, صبيان وبنات, أسر بأكملها لم تعد تبالي أو تخشي, تطالب
بالإصلاح أو الرحيل وتصيغ لنفسها ولثورتها أهدافا واضحة صادقة وبسيطة دون
ايديولوجيات عقائدية أو دينية, تصر علي أن يكون هدف الإصلاح دولة مدنية
ديمقراطية الأمة فيها مصدر كل السلطات ويؤكدون للعالم أجمع أن ثورة الشباب
العربي هي صناعة محض محلية لاعلاقة لها بالخارج, وإن كان بعضهم قد أحسن
استخدام أدوات عصره, وتمكن من تنظيم قدراته عبر شبكة الاتصالات الدولية
علي هذا النحو المذهل, ونجح في تحقيق أهدافه في غضون أسابيع محدودة دون
عنف أو تخريب أو القيام بعمليات انتحارية تدمر الأرواح والممتلكات, يسقط
خلالها المئات من الضحايا الأبرياء.
أكد هؤلاء الشباب بتجربتهم الإنسانية والعصرية زيف فكر تنظيم القاعدة
وغيرها من التنظيمات المتطرفة وجاهليتها وتخلفها وإفلاسها الذي يؤكد انها
أصبحت هي الأخري جزءا من مرحلة تاريخية تنتمي الي الماضي تتواري بعد أن ظلت
لأكثر من20 عاما تحارب أنظمة الحكم العربية وتزهق أرواح الأبرياء, ولم
تحقق سوي الخراب والإفساد وتشويه صورة الإسلام واستعداء الغرب علي
الجاليات المسلمة في المهجر وإتهام كل مواطن عربي بأنه إرهابي واخضاعه
لمذلة التفتيش الذاتي في المطارات والموانئ العالمية إلي أن يثبت العكس,
ومع ذلك يصر العقيد القذافي علي استخدام القاعدة كفزاعة, ويحاول إقناع
نفسه بأن القاعدة هي التي نظمت احتجاجات الشباب الليبي وهي التي أمدتهم
بحبوب الهلوسة التي جعلتهم يثورون علي العقيد المحبوب للغاية من عموم
شعبه! لايريد أن يصدق أن الشعب الليبي يريد رحيله بعد42 عاما من حكم
فاسد.
وفي صنعاء تزداد المخاوف من أن يسعي تنظيم القاعدة الذي اختار اليمن ملاذا
آمنا الي ملء الفراغ الذي يمكن ان ينشأ برحيل نظام حكم الرئيس علي عبد
الله ويزداد حجم نشاطها بعد أن جعلت من اليمن قاعدة أساسية لعملياتها في
شبه الجزيرة, ومنطلقا لعمليات ارهابية متقدمة تطال أهدافا أمريكية, لكن
الواضح من انتفاضة الشباب اليمني أنها بريئة تماما من فكر القاعدة: لم
تتلوث بأفكار العنف وعقائد الجهاد الفاسدة, هدفها الأول والأخير بناء يمن
عصري يتمتع بالحكم الرشيد, يجتث الفساد ويحترم تداول الحكم ويسعي الي
تحسين حياة شعبه ومحاربة العوز والفقر والجهل والتخلف التي تشكل بيئة
ملائمة تحسن القاعدة استغلالها.
وبرغم تتابع انتفاضات الشباب في كل من مصر وتونس واليمن وليبيا وقواسمها
المشتركة المتمثلة في عدد من المطالب التي رفعها المحتجون في مختلف العواصم
أملا في دولة مدنية قانونية ديمقراطية, يبقي لكل بلد عربي ظروفه الخاصة
التي تؤثر علي مسار تطوره وتحدد سقف مطالبه وخياراته, وذلك ما يجعل
الحوار الوطني بين الحكم والمعارضة والشباب الثائر ضرورة في كل بلد عربي,
يستهدف وصول كافة الأطراف الي توافق وطني حول قضايا الاصلاح وسبله
وبرامجه, واعادة الثقة المفقودة بسبب وعود كثيرة سابقة للحكم لم يتم
تنفيذها وإشراك مؤسسات الدولة والمجتمع المدني في إقرار الضمانات التي تؤكد
حسن التطبيق.
ومثل كل ثورات التاريخ سوف تواجه ثورة الشباب العربي مصاعب وانتكاسات
وهبوطا وصعودا وأخطاء ربما يحسن علاجها أولا بأول من خلال المصارحة
والمكاشفة, ونقد الذات والتعلم من تجارب أجيال سابقة والابتعاد عن تقديس
المعتقدات والأفكار لأنها نتاج عمل انساني يمكن أن يخالطها الخطأ, وتجنب
الإدعاء باحتكار الحكمة والمعرفة ورفض الرأي الآخر, وعدم مجاراة سعي
البعض الي اجتثاث الثورة من واقعها وحاضر أمتها وتراكمات تجارب شعبها
وكأنها ولدت بغير جذور.. لقد فسدت الثورات الفرنسية والبلشفية والمصرية
والفلسطينية لكثرة النفاق الذي أحاطها ولأن القائمين عليها كبر عليهم أن
يكونوا موضع النقد والتصحيح, ولأنها انغمست حتي النخاع في خصومات وتارات
قام معظمها علي أسس واهية وغير صحيحة, وربما يكون أكثر ما يخشاه الإنسان
علي ثورة الشباب في مصر غياب الإدراك العميق لخطورة فقدان الاستقرار والأمن
وتراجع أولوياته علي سلم اهتمامات الثورة والاصرار علي تنفيذ كل الأهداف
صغيرها وكبيرها مرة واحدة, وعدم التقدير الصحيح لحجم التحديات الاقتصادية
التي تواجه مصر وتتطلب سرعة عودة الحياة الي أوضاعها الطبيعية وتجاهل حالة
الإحباط التي بدأت تتسرب الي جموع عديدة من المصريين.
