أدار الندوة:أحمد عبدالمقصود : إبراهيم السخاوي : محمد حسين أبو الحسن:-
ربما لم يدر بذهن روائي الحزن والكوابيس والألم والغرائب التشيكي
فرانزكافكا يوما أن رواياته المرعبة ستكون لعب عيال بجوار عوالم الرعب
المذهلة علي ايدي زبانية حبيب العادلي( مباحث امن الدولة سابقا) الذين
اقترفوا في حق المصريين اهوالا لا تخطر علي قلب بشر.
<="" div="" border="0">
تصورأن شخصا يصحو من نومه فجأة ليجد نفسه رهن الاعتقال دون ذنب ويفقد جميع
حقوقه الانسانية ويخضع لانواع التعذيب بتهم مجهولة, قبل ان يساق الي
الموت كأي حيوان رخيص,هذه هي خلاصة رواية المحاكمة لكافكا الذي يبدو
خياله فاشلا امام طغيان العادلي الذي صاغ رجاله قصصا للتنكيل بالاف
المصريين الابرياء الذين امتلأت بهم بيوت العذاب المسماة بالسجون,و
يصيبنا مجرد معرفتها بالرعب والغثيان.
ظاهرة الاعتقال العشوائي دون اي تهمة والالقاء بالابرياء في باستيل(
بساتيل) نظام مبارك استفحلت وشملت المواطنين العاديين وليس الإرهابيين
أوالمعارضين السياسيين وحدهم, شجع علي ذلك أن قانون الطوارئ أطلق يد
الأجهزة الأمنية في التعامل مع المجتمع خارج القانون, واعطي سلطة استبداد
مطلق خصوصا في حالات الضبط والاحتجاز دون سقف زمني, حتي نالت اجهزة
التعذيب المصرية سمعة عالمية معتبرة جعلت اجهزة كبري حول العالم ترسل
بمعتقليها الي مباحث امن الدولة لتعذيبهم وانتزاع الاعترافات منهم خاصة بعد
احداث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك وواشنطن, وحتي لا تقع هذه
الاجهزة تحت طائلة القانون الذي تحترمه في بلادها ولذلك منحت المخابرات
الامريكية? راعية النظام السابق- نياشين لضباط امن الدولة, تثمينا
لتفردهم في اساليب التعذيب والاكراه,
فما هي وقائع ما كان يجري في سجون مصر-مبارك ؟
انه سؤال مؤرق يفضح علاقة المواطن بالسلطة في دولة بها ترسانة من القوانين
والتشريعات التي تحظر التعذيب وتعاقب عليه, لكن المذهل حقا ان من يقومون
علي تنفيذها? او هكذا يفترض هم من ينتهكونها- والدليل علي ذلك حفلات
التعذيب المؤلمة وجولات الضرب والسحل والصعق بالكهرباء والتجويع وانتهاك
الاجساد وتمزيق الارواح التي تتناهي الي اسماعنا وتتكفل بالاجابة الصادمة
عن السؤال المطروح واليكم العينة:
عبدالعزيز محمد وسعد عباس واحمد كامل ومحمد كمال ومحمود قاسم شخصيات
كافكاوية بامتياز افلتت منذ ايام من سجون العادلي, واتوا الي(
الاهرام) مترددين متشككين في ان الاهرام قد تنشر حكاياتهم, ليرووا فصول
الرعب التي تفوق في وحشيتها وقائع محاكم التفتيش في اوروبا العصور
الوسطي, طمأناهم وافسحنا لهم براح السطور بكل حرية:
عبدالعزيز محمد عبدالعزيز صاحب ملابس,يبلغ من العمر اربعة وثلاثين
عاما, يقول: تعودت علي اخراج زكاة مالي, ومساعدة طلبة الازهر
الشريف, من دول مختلفة في صورة اعانات شهرية, وبعضها كان يذهب الي طلاب
الازهر بغزة, ولم يكن لي اي نشاط أو معرفة بالسياسة, و منذ عامين
اختفي مدير المشتروات بمصنعي, وبعد فترة وتحديدا في2009/11/24, فوجئت
بضباط امن الدولة يحضرون الي منزلي ويطلبون التوجه معهم الي القسم لاخذ بعض
البيانات وهو مارحبت به, واكرمت لقاءهم, وبمجرد دخولي السيارة بدأ
الكابوس الرهيب, حيث وضعوا غمامة علي عيني, وقيدوني, وعندما وصلنا
الي احد مقار امن الدولة( كلبشوني) في الحائط مثل الحيوانات تماما,
وبدأوا يسألونني عن عملي و انشطتي فشرحت لهم بالتفصيل واكدت لهم انني لااحب
السياسة ولا امارسها, وعندئذ بدأ التعذيب دون توقف او نهاية.
وما لاقيناه اكثر وافظع من اي وصف, كما انها كان يتم بشكل فردي أو
جماعي, حسب مزاج السجان,واحب ان اوجه بلاغا للنائب العام ضد المسئولين
عن تعذيبي انا وغيري, خاصة الضباط: عمرو حمزة وعمر حلمي ورئيسهما خالد
كرم, وهي اسماء حركية لهم, ومسئول التعذيب الاول خالد الديب الذي كان
يسمي نفسه( ابالهب)(!!) فقد كان يجردني من ملابسي ويقيدني ثم ينهال علي
ضربا في كل جسمي, حتي افقد الوعي وادخل في غيبوبة, ثم يفيقونني
ويواصلون ولكن عن طريق الصعق بالكهرباء بنوع متطور من الادوات التي تمزق
الجسم, وكثيرا ما استخدموا( الشاكوش) في تحطيم عظام الرجل او الضرب
علي الرأس_ ثم كشف عبدالعزيز عن اماكن اصابته? ليس هذا فقط بل ان
ابالهب كان يقوم بتوجيه اللكمات العنيفة الي جانبي الفك حتي انني اعجز عن
تناول الطعام لايام, اما اشنع شيء فهو قيام الضباط بلبس قفازات في ايديهم
وعصر الاعضاء الحساسة, وفي احدي هذه المرات تحجر جسمي واصبت بتقلصات
عصبيةو فقدت الوعي من شدة العذاب وظنوا انني قد فارقت الحياة, فقاموا
بنقلي الي مستشفي المنيل, وعملوا لي تقريرا يقول انني مت بسبب تعاطي
المخدرات.. لقد اصبت بالجرب بعد يومين فقط من دخولي الزنزانة بابوزعبل
فماذا لو علمت انني بقيت فيها عاما واربعة اشهر حتي حدثت الثورة.لقد مات
اشخاص كثيرون ومنهم من اعرفه من نزلاء المعتقل بعدما انهارت اجسادهم امام
ضربات التعذيب التي سلبت منهم كل احساس بالانسانية والكرامة..!
ويصمت عبدالعزيز قليلا ليقول: مع ذلك فانني بدأت في السجن اهتم
بالسياسة, بعد ان كنت لا اعرف عنها شيئا,..المذهل انه بعد مسلسل
التعذيب اليومي يقول لنا الضباط يعني مش هتعترف, اقول لهم, أنا معترف
باي جريمة تعجبكم, ولله العظيم لو عايزيني اكفر, هاكفر, بس سيبوني
لكن تقول لمين.
وسألنا الحضور عن اي دور من اي لجنة من المجلس القومي لحقوق الانسان او اي
منظمة حقوقية اخري وسط هذا الجو المروع تمد لهم يد العون, فاجمعوا علي
ان مجلس حقوق الانسان اكذوبة كبري ولا يفعلون شيئا, لقد ابلغهم ذوونا
مرارا دون جدوي, وهناك الالاف غيرنا, وحينما كانت تأتي لجنة خارجية كان
امن الدولة يضعنا في سجون تحت الارض, بل ان بعضنا كان يفرج عنه بحكم
قضائي, فيقوموا باخفائهم في هذه السجون السرية.
و يلتقط احمد كامل( محام) طرف الخيط ليذكر بمرارة انه سجن, مثل
عبدالعزيز,عاما كاملا بابوزعبل ظلما وعدوانا, ويقول انه وجد صفوة
المجتمع في السجن من مفكرين ودعاة واطباء ومهندسين ولم يكونوا متطرفين او
دعاة تكفير, حتي انهم لم يكفروا الضباط الذين يعذبونهم,ويؤكد ان اشد ما
يؤلمه سلسلة التعذيب الطويلة التي خضع لها علي يد الضباط: نور بيه ويوسف
بيه في جهاز مدينة نصر, وحازم الديب وعمر حلمي وخالد كرم وخالد ابوالخير
في لاظوغلي, وفي سجن ابوزعبل شديد الحراسة, كنا معزولين عن العالم
الخارجي, في ظلام مطبق بشكل مستمر في زنازين ضيقة ورطبة وقذرة للغاية لا
يستطيع حتي السجان المكوث فيها لدقائق معدودة بسبب رائحتها الكريهة, وهي
وسيلة تعذيب في حد ذاتها تمتلئ بالحشرات الموضوعة فيها عمدا, هذا بالطبع
غير الوساوس المرعبة, والمخاوف التي تهز ني وأنا بين تلك الحيطان
السوداء, وشعرت شيئا فشيئا أني أتحلل وأتعفن.
< هل تذكر نوعية السجناء الاخرين وانتماءاتهم؟
نعم اغلبهم من سجناء الرأي والسياسة, وكانوا علي قدر عال من الثقافة
والفكر وتحملوا كثيرا حتي ان احدهم قطعت رجله بسبب انعدام الرعاية
الطبية, وبعضهم فقد عقله من هول ما يحدث, و غيرهم دفع حياته ثمنا
لأرائه ووطنيته وتمسكه بدينه, انهم ضحايا لوحوش كاسرة, أن ضباط امن
الدولة ليسوا بشرا, لقد كانوا يتباهون بحصولهم علي نياشين رفيعة من
المخابرات الامريكية و( اف بي اي) علي جهودهم الفذة في تعذيب
المعتقلين( الارهابيين) وانتزاع المعلومات منهم, علي نحو تفشل فيه
الاجهزة الامريكية نفسها, وهذا شيء سمعناه منهم, انهم مجموعة منزوعة
الضمير والانسانية والاخلاق, فبعد قيام الثورة وقبل صدور قرار من وزير
الداخلية بالافراج عنا كانوا يطلبون اموالا في مقابل امكانية تهريبنا,
والله اعلم كانوا سيأخذون الفلوس ثم يطلقون علينا النار.
< خلال فترة الحبس الم يتسرب اليكم اي من الاسرار؟
نقول باطمئنان ان ضباط امن الدولة يتصرفون باعتبارهم حكام البلاد
الحقيقيين, فلم يكونوا يتوقفون عن سب الرئيس السابق واركان نظامه في كل
الاوقات تماما كما يسبون الدين, خاصة من جانب ابي لهب, ويقولون تغير
النظام بقي النظام نحن اسياد العباد, وهناك شيء اخر مروع, وهو انه بعد
حادثة كنيسة القديسين اخذ الامن نحو عشرين من الشباب الذين تتراوح مدد
اعتقالهم بين ثلاثة اشهر وعشر سنوات, ليلفقوا لهم التهمة بوصفهم
المجرمين, احدهم اسمه محمد جمال الكاشف.
وتمتم عبدالعزيز واحمد: الحمدلله. والفضل لثورة الشباب, فلاول مرة
اري ضباط المباحث وامناء الشرطة مرعوبين, وقد فكروا في اعدامنا رميا
بالرصاص, وفي النهاية حاولوا التودد الينا, وفروا من السجن ولم يغلقوا
سوي البوابة الخارجية التي اقتحمها بعض الاهالي بعد ذلك لانقاذ ابنائهم من
الموت جوعا هذه المرة, ثم صدر قرار وزير الداخلية محمود وجدي بالافراج عن
المعتقلين بتعليمات من المجلس الاعلي للقوات المسلحة.
ويتوقف سعد محمد عباس الطالب بكلية الدعوة بالازهر بجانب عمله خطيبا
واماما بمدينة نصر, عند الاعتقال العشوائي ويؤكد أن الضابط هشام مصطفي
توفيق اعتقل كل من في سكنه بالحي السابع من الطلاب الجامعيين دون سبب
وحينما توجهت الي القسم للسؤال عنهم قام الضابط باعتقالي, وخيرني بين
الاعتراف بجريمة بأي جريمة أو الذهاب الي لاظوغلي, وهو ما حدث, وبدأت
فصول الماساة عندما اخبرتهم انني اقوم بتحفيظ القرآن الكريم, بممارسات
التعذيب واستعمال القسوة والإهانة من السب والقذف باحقر الشتائم و التطاول
علي الذات الاهية الي الوان التعذيب التي يرتعد جسمي لذكرها, من السحل
والسحب والتعليق لساعات طويلة كل يوم, قبل ان يتم صعقنا بالكهرباء واستمر
هذا طوال فترة اعتقالي لسنوات ولكن التعذيب كان افظع ما يكون في سجون
مباحث امن الدولة بلاظوغلي ومدينة نصر وقد ابقيت مغمض العينين لمدة شهر
كامل لم ار شيئا الا بعد الذهاب الي سجن وادي النطرون.
واذا كان تحفيظ القرآن سببا لمأساة سعد, فإن حفظ القرآن الكريم كان
ذريعة كافية لاحداث التحول المأساوي الذي قلب حياة محمد كمال حسن رأسا علي
عقب,وهو خريج الحقوق الموظف بهيئة الطيران المدني,وابن احد ضباط القوات
المسلحة الذي ربي ابنه علي الطاعة والتقوي والعمل الصالح, لكن هذا لم
يرق للضابط خالد من امن الدولة فاصطحبه الي مقر الجهاز بحكر ابودومة وطلب
منه عدم الصلاة بمسجد حكر الكمال بشبرا مصر, لان الامام( يطيل في
الصلاة), ويمتثل محمد لكن غلطته الكبري تمثلت في التحاقه بدروس تحفيظ
القرآن باشراف الازهر الشريف, ليقبض عليه الضابط نادر السيد الي مقر
الجهاز بالساحل معصوب العينين بقماشة مبللة بالكيروسين, لفترة طويلة,
ثم استبشر محمد وقال فرجت, لان الضابط دخل عليه الزنزانة وطلب له( كوب
ليمون بارد) ليكتشف بعدها ان هذا الليمون الشفرة السرية للصعق الكهربائي
عالي الشدة في مختلف انحاء الجسد, وقد زاد( الليمون)برودة بسبب حفظ
القرآن, فامتد الصعق للاعضاء الحساسة, وبعد ان حمل الي لاظوغلي اقتيد
الي الدور الرابع المخصص للتعذيب, واجلس علي وسادة مبللة بالمياه وموصولة
بالكهرباء لتتناوب الصعقات الي مشارف ازهاق الروح لمدة ثلاثة اشهر, ثم
نقل بعد ذلك الي سجن الفيوم الذي لم يكن احسن حالا من سابقه, قبل ان يفرج
عنه دون ان يعرف حتي الان لماذا اعتقل ولماذا افرج عنه ولاي سبب وهو سؤال
معضل يريد له اجابة من النائب العام قبل ان يلحق عقل محمد بآداميته المهدرة
ويطيش في واحات الجنون.
ويتحدث محمود عبدالحميد قاسم بكل ألم عن تجربته المريرة التي تكشف عن
اليات القهر الغاشمة وتجذر الظلم في ارض هذا الوطن طيلة الحقبة الماضية,
فمحمود مندوب مبيعات ادوية, يقضي يومه في العمل والتنقل, ليوفر قوت
اولاده الاربعة, لكنه لا ينسي فروض دينه شأن غيره من الناس العاديين,
وفي احد الايام طلب منه ضابط امن الدولة واسمه شريف رشدي أن يكون جاسوسا
علي المصلين الذين يرتادون مسجد رياض الصالحين بالمرج, ولما رفض, القي
القبض عليه امام اعين ابنائه وزوجته الذين روعوا وانهاروا لما جري له, في
فجر احد الايام منذ عامين, وفي الظهيرة استقبله الضابط عمر حلمي بفاصل
من التعذيب المستمر في محاولة لإكراهه علي الرضوخ والعمل جاسوسا
لهم,ولكنه اصر علي الرفض فأصروا علي اهدار انسانيته واذاقوه التعذيب
بالكيروسين والالات الحادة والكهرباء والنوم علي الارض الغارقة بالمياه
والحشرات, وبرغم هذه الاهوال فان ما كان يشغل بال محمود حقا هو اسرته
التي بقيت بلا عائل ولا يملكون من حطام الدنيا شيئا, حتي اصيبت زوجته
بالصرع واصيب والده بالجلطات المختلفة واعتمد ابناؤه علي اعانات اهل الخير
المحدودة.خرج محمود بعد ثورة يناير وما زال السؤال يلح عليه لماذا تسجنني
الدولة وتشرد اسرتي وتتركني نهبا للفواجع والالام, وهو يناشد النائب
العام الدكتور عبدالمجيد محمود التحقيق في وقائع ما جري له, ومحاسبة
المسئولين عنه, وان تنظر الدولة الجديدة اليه بعين العطف والرفق.
أدار الندوة:أحمد عبدالمقصود : إبراهيم السخاوي : محمد حسين أبو الحسن:-
ربما لم يدر بذهن روائي الحزن والكوابيس والألم والغرائب التشيكي
فرانزكافكا يوما أن رواياته المرعبة ستكون لعب عيال بجوار عوالم الرعب
المذهلة علي ايدي زبانية حبيب العادلي( مباحث امن الدولة سابقا) الذين
اقترفوا في حق المصريين اهوالا لا تخطر علي قلب بشر.
<="" div="" border="0">
تصورأن شخصا يصحو من نومه فجأة ليجد نفسه رهن الاعتقال دون ذنب ويفقد جميع
حقوقه الانسانية ويخضع لانواع التعذيب بتهم مجهولة, قبل ان يساق الي
الموت كأي حيوان رخيص,هذه هي خلاصة رواية المحاكمة لكافكا الذي يبدو
خياله فاشلا امام طغيان العادلي الذي صاغ رجاله قصصا للتنكيل بالاف
المصريين الابرياء الذين امتلأت بهم بيوت العذاب المسماة بالسجون,و
يصيبنا مجرد معرفتها بالرعب والغثيان.
ظاهرة الاعتقال العشوائي دون اي تهمة والالقاء بالابرياء في باستيل(
بساتيل) نظام مبارك استفحلت وشملت المواطنين العاديين وليس الإرهابيين
أوالمعارضين السياسيين وحدهم, شجع علي ذلك أن قانون الطوارئ أطلق يد
الأجهزة الأمنية في التعامل مع المجتمع خارج القانون, واعطي سلطة استبداد
مطلق خصوصا في حالات الضبط والاحتجاز دون سقف زمني, حتي نالت اجهزة
التعذيب المصرية سمعة عالمية معتبرة جعلت اجهزة كبري حول العالم ترسل
بمعتقليها الي مباحث امن الدولة لتعذيبهم وانتزاع الاعترافات منهم خاصة بعد
احداث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك وواشنطن, وحتي لا تقع هذه
الاجهزة تحت طائلة القانون الذي تحترمه في بلادها ولذلك منحت المخابرات
الامريكية? راعية النظام السابق- نياشين لضباط امن الدولة, تثمينا
لتفردهم في اساليب التعذيب والاكراه,
فما هي وقائع ما كان يجري في سجون مصر-مبارك ؟
انه سؤال مؤرق يفضح علاقة المواطن بالسلطة في دولة بها ترسانة من القوانين
والتشريعات التي تحظر التعذيب وتعاقب عليه, لكن المذهل حقا ان من يقومون
علي تنفيذها? او هكذا يفترض هم من ينتهكونها- والدليل علي ذلك حفلات
التعذيب المؤلمة وجولات الضرب والسحل والصعق بالكهرباء والتجويع وانتهاك
الاجساد وتمزيق الارواح التي تتناهي الي اسماعنا وتتكفل بالاجابة الصادمة
عن السؤال المطروح واليكم العينة:
عبدالعزيز محمد وسعد عباس واحمد كامل ومحمد كمال ومحمود قاسم شخصيات
كافكاوية بامتياز افلتت منذ ايام من سجون العادلي, واتوا الي(
الاهرام) مترددين متشككين في ان الاهرام قد تنشر حكاياتهم, ليرووا فصول
الرعب التي تفوق في وحشيتها وقائع محاكم التفتيش في اوروبا العصور
الوسطي, طمأناهم وافسحنا لهم براح السطور بكل حرية:
عبدالعزيز محمد عبدالعزيز صاحب ملابس,يبلغ من العمر اربعة وثلاثين
عاما, يقول: تعودت علي اخراج زكاة مالي, ومساعدة طلبة الازهر
الشريف, من دول مختلفة في صورة اعانات شهرية, وبعضها كان يذهب الي طلاب
الازهر بغزة, ولم يكن لي اي نشاط أو معرفة بالسياسة, و منذ عامين
اختفي مدير المشتروات بمصنعي, وبعد فترة وتحديدا في2009/11/24, فوجئت
بضباط امن الدولة يحضرون الي منزلي ويطلبون التوجه معهم الي القسم لاخذ بعض
البيانات وهو مارحبت به, واكرمت لقاءهم, وبمجرد دخولي السيارة بدأ
الكابوس الرهيب, حيث وضعوا غمامة علي عيني, وقيدوني, وعندما وصلنا
الي احد مقار امن الدولة( كلبشوني) في الحائط مثل الحيوانات تماما,
وبدأوا يسألونني عن عملي و انشطتي فشرحت لهم بالتفصيل واكدت لهم انني لااحب
السياسة ولا امارسها, وعندئذ بدأ التعذيب دون توقف او نهاية.
وما لاقيناه اكثر وافظع من اي وصف, كما انها كان يتم بشكل فردي أو
جماعي, حسب مزاج السجان,واحب ان اوجه بلاغا للنائب العام ضد المسئولين
عن تعذيبي انا وغيري, خاصة الضباط: عمرو حمزة وعمر حلمي ورئيسهما خالد
كرم, وهي اسماء حركية لهم, ومسئول التعذيب الاول خالد الديب الذي كان
يسمي نفسه( ابالهب)(!!) فقد كان يجردني من ملابسي ويقيدني ثم ينهال علي
ضربا في كل جسمي, حتي افقد الوعي وادخل في غيبوبة, ثم يفيقونني
ويواصلون ولكن عن طريق الصعق بالكهرباء بنوع متطور من الادوات التي تمزق
الجسم, وكثيرا ما استخدموا( الشاكوش) في تحطيم عظام الرجل او الضرب
علي الرأس_ ثم كشف عبدالعزيز عن اماكن اصابته? ليس هذا فقط بل ان
ابالهب كان يقوم بتوجيه اللكمات العنيفة الي جانبي الفك حتي انني اعجز عن
تناول الطعام لايام, اما اشنع شيء فهو قيام الضباط بلبس قفازات في ايديهم
وعصر الاعضاء الحساسة, وفي احدي هذه المرات تحجر جسمي واصبت بتقلصات
عصبيةو فقدت الوعي من شدة العذاب وظنوا انني قد فارقت الحياة, فقاموا
بنقلي الي مستشفي المنيل, وعملوا لي تقريرا يقول انني مت بسبب تعاطي
المخدرات.. لقد اصبت بالجرب بعد يومين فقط من دخولي الزنزانة بابوزعبل
فماذا لو علمت انني بقيت فيها عاما واربعة اشهر حتي حدثت الثورة.لقد مات
اشخاص كثيرون ومنهم من اعرفه من نزلاء المعتقل بعدما انهارت اجسادهم امام
ضربات التعذيب التي سلبت منهم كل احساس بالانسانية والكرامة..!
ويصمت عبدالعزيز قليلا ليقول: مع ذلك فانني بدأت في السجن اهتم
بالسياسة, بعد ان كنت لا اعرف عنها شيئا,..المذهل انه بعد مسلسل
التعذيب اليومي يقول لنا الضباط يعني مش هتعترف, اقول لهم, أنا معترف
باي جريمة تعجبكم, ولله العظيم لو عايزيني اكفر, هاكفر, بس سيبوني
لكن تقول لمين.
وسألنا الحضور عن اي دور من اي لجنة من المجلس القومي لحقوق الانسان او اي
منظمة حقوقية اخري وسط هذا الجو المروع تمد لهم يد العون, فاجمعوا علي
ان مجلس حقوق الانسان اكذوبة كبري ولا يفعلون شيئا, لقد ابلغهم ذوونا
مرارا دون جدوي, وهناك الالاف غيرنا, وحينما كانت تأتي لجنة خارجية كان
امن الدولة يضعنا في سجون تحت الارض, بل ان بعضنا كان يفرج عنه بحكم
قضائي, فيقوموا باخفائهم في هذه السجون السرية.
و يلتقط احمد كامل( محام) طرف الخيط ليذكر بمرارة انه سجن, مثل
عبدالعزيز,عاما كاملا بابوزعبل ظلما وعدوانا, ويقول انه وجد صفوة
المجتمع في السجن من مفكرين ودعاة واطباء ومهندسين ولم يكونوا متطرفين او
دعاة تكفير, حتي انهم لم يكفروا الضباط الذين يعذبونهم,ويؤكد ان اشد ما
يؤلمه سلسلة التعذيب الطويلة التي خضع لها علي يد الضباط: نور بيه ويوسف
بيه في جهاز مدينة نصر, وحازم الديب وعمر حلمي وخالد كرم وخالد ابوالخير
في لاظوغلي, وفي سجن ابوزعبل شديد الحراسة, كنا معزولين عن العالم
الخارجي, في ظلام مطبق بشكل مستمر في زنازين ضيقة ورطبة وقذرة للغاية لا
يستطيع حتي السجان المكوث فيها لدقائق معدودة بسبب رائحتها الكريهة, وهي
وسيلة تعذيب في حد ذاتها تمتلئ بالحشرات الموضوعة فيها عمدا, هذا بالطبع
غير الوساوس المرعبة, والمخاوف التي تهز ني وأنا بين تلك الحيطان
السوداء, وشعرت شيئا فشيئا أني أتحلل وأتعفن.
< هل تذكر نوعية السجناء الاخرين وانتماءاتهم؟
نعم اغلبهم من سجناء الرأي والسياسة, وكانوا علي قدر عال من الثقافة
والفكر وتحملوا كثيرا حتي ان احدهم قطعت رجله بسبب انعدام الرعاية
الطبية, وبعضهم فقد عقله من هول ما يحدث, و غيرهم دفع حياته ثمنا
لأرائه ووطنيته وتمسكه بدينه, انهم ضحايا لوحوش كاسرة, أن ضباط امن
الدولة ليسوا بشرا, لقد كانوا يتباهون بحصولهم علي نياشين رفيعة من
المخابرات الامريكية و( اف بي اي) علي جهودهم الفذة في تعذيب
المعتقلين( الارهابيين) وانتزاع المعلومات منهم, علي نحو تفشل فيه
الاجهزة الامريكية نفسها, وهذا شيء سمعناه منهم, انهم مجموعة منزوعة
الضمير والانسانية والاخلاق, فبعد قيام الثورة وقبل صدور قرار من وزير
الداخلية بالافراج عنا كانوا يطلبون اموالا في مقابل امكانية تهريبنا,
والله اعلم كانوا سيأخذون الفلوس ثم يطلقون علينا النار.
< خلال فترة الحبس الم يتسرب اليكم اي من الاسرار؟
نقول باطمئنان ان ضباط امن الدولة يتصرفون باعتبارهم حكام البلاد
الحقيقيين, فلم يكونوا يتوقفون عن سب الرئيس السابق واركان نظامه في كل
الاوقات تماما كما يسبون الدين, خاصة من جانب ابي لهب, ويقولون تغير
النظام بقي النظام نحن اسياد العباد, وهناك شيء اخر مروع, وهو انه بعد
حادثة كنيسة القديسين اخذ الامن نحو عشرين من الشباب الذين تتراوح مدد
اعتقالهم بين ثلاثة اشهر وعشر سنوات, ليلفقوا لهم التهمة بوصفهم
المجرمين, احدهم اسمه محمد جمال الكاشف.
وتمتم عبدالعزيز واحمد: الحمدلله. والفضل لثورة الشباب, فلاول مرة
اري ضباط المباحث وامناء الشرطة مرعوبين, وقد فكروا في اعدامنا رميا
بالرصاص, وفي النهاية حاولوا التودد الينا, وفروا من السجن ولم يغلقوا
سوي البوابة الخارجية التي اقتحمها بعض الاهالي بعد ذلك لانقاذ ابنائهم من
الموت جوعا هذه المرة, ثم صدر قرار وزير الداخلية محمود وجدي بالافراج عن
المعتقلين بتعليمات من المجلس الاعلي للقوات المسلحة.
ويتوقف سعد محمد عباس الطالب بكلية الدعوة بالازهر بجانب عمله خطيبا
واماما بمدينة نصر, عند الاعتقال العشوائي ويؤكد أن الضابط هشام مصطفي
توفيق اعتقل كل من في سكنه بالحي السابع من الطلاب الجامعيين دون سبب
وحينما توجهت الي القسم للسؤال عنهم قام الضابط باعتقالي, وخيرني بين
الاعتراف بجريمة بأي جريمة أو الذهاب الي لاظوغلي, وهو ما حدث, وبدأت
فصول الماساة عندما اخبرتهم انني اقوم بتحفيظ القرآن الكريم, بممارسات
التعذيب واستعمال القسوة والإهانة من السب والقذف باحقر الشتائم و التطاول
علي الذات الاهية الي الوان التعذيب التي يرتعد جسمي لذكرها, من السحل
والسحب والتعليق لساعات طويلة كل يوم, قبل ان يتم صعقنا بالكهرباء واستمر
هذا طوال فترة اعتقالي لسنوات ولكن التعذيب كان افظع ما يكون في سجون
مباحث امن الدولة بلاظوغلي ومدينة نصر وقد ابقيت مغمض العينين لمدة شهر
كامل لم ار شيئا الا بعد الذهاب الي سجن وادي النطرون.
واذا كان تحفيظ القرآن سببا لمأساة سعد, فإن حفظ القرآن الكريم كان
ذريعة كافية لاحداث التحول المأساوي الذي قلب حياة محمد كمال حسن رأسا علي
عقب,وهو خريج الحقوق الموظف بهيئة الطيران المدني,وابن احد ضباط القوات
المسلحة الذي ربي ابنه علي الطاعة والتقوي والعمل الصالح, لكن هذا لم
يرق للضابط خالد من امن الدولة فاصطحبه الي مقر الجهاز بحكر ابودومة وطلب
منه عدم الصلاة بمسجد حكر الكمال بشبرا مصر, لان الامام( يطيل في
الصلاة), ويمتثل محمد لكن غلطته الكبري تمثلت في التحاقه بدروس تحفيظ
القرآن باشراف الازهر الشريف, ليقبض عليه الضابط نادر السيد الي مقر
الجهاز بالساحل معصوب العينين بقماشة مبللة بالكيروسين, لفترة طويلة,
ثم استبشر محمد وقال فرجت, لان الضابط دخل عليه الزنزانة وطلب له( كوب
ليمون بارد) ليكتشف بعدها ان هذا الليمون الشفرة السرية للصعق الكهربائي
عالي الشدة في مختلف انحاء الجسد, وقد زاد( الليمون)برودة بسبب حفظ
القرآن, فامتد الصعق للاعضاء الحساسة, وبعد ان حمل الي لاظوغلي اقتيد
الي الدور الرابع المخصص للتعذيب, واجلس علي وسادة مبللة بالمياه وموصولة
بالكهرباء لتتناوب الصعقات الي مشارف ازهاق الروح لمدة ثلاثة اشهر, ثم
نقل بعد ذلك الي سجن الفيوم الذي لم يكن احسن حالا من سابقه, قبل ان يفرج
عنه دون ان يعرف حتي الان لماذا اعتقل ولماذا افرج عنه ولاي سبب وهو سؤال
معضل يريد له اجابة من النائب العام قبل ان يلحق عقل محمد بآداميته المهدرة
ويطيش في واحات الجنون.
ويتحدث محمود عبدالحميد قاسم بكل ألم عن تجربته المريرة التي تكشف عن
اليات القهر الغاشمة وتجذر الظلم في ارض هذا الوطن طيلة الحقبة الماضية,
فمحمود مندوب مبيعات ادوية, يقضي يومه في العمل والتنقل, ليوفر قوت
اولاده الاربعة, لكنه لا ينسي فروض دينه شأن غيره من الناس العاديين,
وفي احد الايام طلب منه ضابط امن الدولة واسمه شريف رشدي أن يكون جاسوسا
علي المصلين الذين يرتادون مسجد رياض الصالحين بالمرج, ولما رفض, القي
القبض عليه امام اعين ابنائه وزوجته الذين روعوا وانهاروا لما جري له, في
فجر احد الايام منذ عامين, وفي الظهيرة استقبله الضابط عمر حلمي بفاصل
من التعذيب المستمر في محاولة لإكراهه علي الرضوخ والعمل جاسوسا
لهم,ولكنه اصر علي الرفض فأصروا علي اهدار انسانيته واذاقوه التعذيب
بالكيروسين والالات الحادة والكهرباء والنوم علي الارض الغارقة بالمياه
والحشرات, وبرغم هذه الاهوال فان ما كان يشغل بال محمود حقا هو اسرته
التي بقيت بلا عائل ولا يملكون من حطام الدنيا شيئا, حتي اصيبت زوجته
بالصرع واصيب والده بالجلطات المختلفة واعتمد ابناؤه علي اعانات اهل الخير
المحدودة.خرج محمود بعد ثورة يناير وما زال السؤال يلح عليه لماذا تسجنني
الدولة وتشرد اسرتي وتتركني نهبا للفواجع والالام, وهو يناشد النائب
العام الدكتور عبدالمجيد محمود التحقيق في وقائع ما جري له, ومحاسبة
المسئولين عنه, وان تنظر الدولة الجديدة اليه بعين العطف والرفق.