بقلم:
عماد الغزالي
18 ابريل 2011
09:51:10 ص
بتوقيت الق
انسحب المعتصمون إذن من ميدان التحرير، وأزيلت آثار وضع اليد
التى خلّفها محتجون اتخذوا قرارا منفردا بعدم مغادرة الميدان حتى «ينفد
الجمل من سم الخيّاط»، أو «ينفسق الغسق فى تراهيق الشفق»، أيهما أقرب، فلما
برك الجمل وانصعق الفسق، خاب مسعى المعتصمين، وقيد من دبرها بليل إلى
غياهب السجون، وشكر المجلس العسكرى شباب الثورة على مسعاهم.
تقارير
زملائنا من الميدان، اتفقت على أن من بقوا فى أعقاب المليونية الأخيرة
وأصروا على المبيت، لا علاقة لهم بالثورة وأهدافها، بعضهم عملاء لفلول
النظام السابق، وأكثرهم من السائرين على غير هدى فى شوارع المحروسة،
العائشين على الهامش، وقد وجدوا أخيرا فرصة للانتقال من الهامش إلى المتن،
بالانخراط فى الثورة وترديد شعاراتها، والمزايدة على سقف مطالبها، هؤلاء
ليسوا خونة ولا بلطجية ولا مجانين، هؤلاء مصريون مثلى ومثلك، يريدون أن
يشعروا بأن لهم حقوقا فى الميدان وفى الوطن، يريدون أن يشعروا بالحماية
والاحتواء، أن يتقاسموا اللقمة والسيجارة والنكات مع أقرانهم القادمين من
«مصر الثانية»، بعد أن قسّمنا نظام مبارك السافل البغيض إلى نصفين، ناس فوق
وناس تحت، «نوفوريش» و«بيئة»، وبينهما برزخ عميق، يرتع فيه متسلقون
ومنافقون وأفاقون ومرتعدون، نسميهم خطأ طبقة وسطى، وهى منهم براء.
جسّد
ميدان التحرير طوال أيام الثورة، صورة رائعة للتلاحم بين المصريين، مسلمين
وأقباطا،أغنياء وفقراء، طلبة وعمالا، فلاحين وأفندية، جيشا وشعبا، لكن
بعضهم أراده ساحة للخلاف،أرضا متنازعا عليها بين فرقاء، فأقام المتاريس
وزرع أسلاكا شائكة، وأخضع العابرين إليه لتفتيش دقيق، وأجبرهم على أن
يبرزوا هوياتهم وكأنهم متسللون إلى حدود دولة أجنبية، فعلها اليوم من قيل
إنهم بلطجية، ترى من يفعلها غدا من المتنازعين على ملكية الميدان؟
شباب
الثورة فطنوا للعبة، فقرروا عقب الحكم بحبس الرئيس السابق ونجليه تعليق
المظاهرات المليونية، لمنح الحكومة والمجلس العسكرى فرصة لتنفيذ باقى
مطالبهم، كما أعلنوا أنهم سيجوبون عددا من المصانع والمؤسسات الإنتاجية
الكبرى، لحث العاملين فيها على مضاعفة العمل والإنتاج، وتعويض الخسائر التى
لحقت بالاقتصاد المصرى طوال الفترة الماضية.
الآمال آخذة فى
التحقق، رموز النظام الفاسد كلها فى السجن، ومن بقى فى الطريق، لكن
محاكمتهم ستستغرق عاما أو بعض عام، وسفينتنا بعد فى عرض البحر، والريح صرصر
عاتية.
تظاهرنا السلمى حق لا مساومة فيه، وما تحقق من أهداف الثورة
التى بهرت العالم كله، جاء بالإصرار على ممارسة هذا الحق وتفعيله، لكن
ثورتنا لن تنجح ما لم تنتقل بروحها من ميدان التحرير، إلى المصانع والمزارع
والمدارس والجامعات.
ثورتنا لن تنجح بالإصرار على شرعية الحشد.. بديلا عن شرعية القانون.