بقلم: د. محمود غزلان
ما
من يوم يطلع صبحه، إلا وأطالع في عديدٍ من الصحف التي تقتات على أعراضنا،
وتدعي الحياد والاستقلال، عديدًا من المقالات التي توجه سهامها إلى صدري،
وما من عشيةٍ يقبل ليلها، وأقلب قنوات الحوار في الفضائيات؛ إلا وأجد
مزيدًا من السهام تنطلق نحوي باعتباري من الإخوان المسلمين، حتى تمثلت بقول
الشاعر:
وكنتُ إذا أصابتني سهـام تكسرت النصال على النصالِ
وهان.. فما أبالي بالرزايا لأني مـا انتفــعت بـأن أبالي
وتذكرت
مواسم الهجوم على الإخوان التي كانت تثور لتبلغ القمة، ثم تهدأ قليلاً، كي
تثور من جديد، تذكرت برنامج (حالة حوار)، ومقالات صحفيي أمن الدولة، وغلاة
العلمانيين، ومسلسل الجماعة، وأكاذيب ميليشيات الأزهر، والقضايا العسكرية،
والاعتقالات والمصادرات التي لا تنتهي.
وكنت
أعتقد أن الثورة المباركة التي بدأت في 25 يناير 2011م، والتي شارك فيها
الإخوان بقوةٍ بجانب فصائل وأفراد الشعب المصري، وضعت نهايةً لهذا الظلم،
وصهرت هذه الفصائل والأفراد في بوتقتها، لتنبتهم نباتًا آخر، يُقدِّم
المصلحة العامة على المصالح الفردية والفئوية، ويلتزم بالمبادئ والقيم،
ويحترم تعددية الرأي والموقف.
بيد
أن نتائج استفتاء التعديلات الدستورية بشفافيته ونزاهته أظهرت الوزن
النسبي للقوى الوطنية المختلفة؛ الأمر الذي لم يرقَ لبعض الفصائل، فعادت
لخنادقها الأولى، وراحت تقذف غيرها بالسهام والقنابل، وكان الإخوان
المسلمون أكثر الناس حظًّا من هذه القذائف والسهام.
ولقد
أصابنا ذلك بحزن شديد، ليس على أنفسنا، فقد تعودنا على أكثر من ذلك بكثير،
ولكن على الوطن الذي تمنينا له أن ينهض بسواعد أبنائه جميعًا، ويصعد على
أكتافهم، وللعودة إلى المهاترات والمظالم والافتراءات، وللقفز على نتائج
الإرادة الشعبية مع الادعاء باحترام الحرية والديمقراطية والسيادة الشعبية.
فعدنا
إلى هجوم الأقلية على المادة الثانية من الدستور، والتنادي بإلغائها، رغم
تمسك الأغلبية الكاسحة من الشعب بها؛ لأنها تُعبِّر عن عقيدتها وهويتها
وأملها في العدل والتقدم، وعدنا للجدال المفتعل المذموم عن طبيعة الدولة،
مدنية أم دينية، رغم أن أحدًا من الإسلاميين لا يقول بالدولة الدينية
بالمعنى الثيوقراطي.
وعدنا
للتنادي بين العلمانيين ليكونوا جبهةً في مواجهة الإسلاميين، ولخلط
الأوراق بين الجماعات الإسلامية المختلفة، ولإلقاء الاتهامات والافتراءات
على السلفيين والتي تبين أنهم منها براء.
وعدنا لنرى مظاهر فتنة طائفية- لا ندري مَن الذي يقف وراءها- وقد خلت منها مصر منذ قامت الثورة، وفي أكثر الأوقات انعدامًا للأمن.
وعدنا
لنسمع اتهاماتٍ للإخوان المسلمين بأنهم يريدون القفز على الثورة، والوصول
إلى السلطة، رغم أنه لم يفعل حزب ولا فصيل سياسي مثلما فعلنا، ولم يقدم
مثلما قدمنا، فقد أعلنَّا منذ بدء الثورة، وقبل سقوط النظام، أننا لن نقدم
أحدًا منَّا ليترشح لرئاسة الجمهورية، ولن ننافس على كل مقاعد المجالس
النيابية، ومع ذلك استمرَّ الهجوم والاتهام بأننا نمن على الآخرين بذلك،
وبأننا رفعنا سقف المرشحين للمجالس النيابية ما بين 45- 50%، وكُنَّا قد
أعلنا سابقًا أننا نتطلع إلى الحصول على ثلث المقاعد، وكأن مرشحينا سينجحون
بنسبة 100%.
والغريب
والمدهش أن حزب الجبهة الوطنية أعلن أنه سينافس على 80% من المقاعد، وأعلن
حزب الوفد أنه سينافس على 50% من المقاعد، ولم ينبس أحد ببنت شفة، ولم يقل
أحد كلمة واحدة في حقهما، حتى تذكرت قول شوقي:
أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس
أليس هذا ظلمًا؟ أليس انحيازًا؟ أليس تعصبًا؟
ورغم ذلك فقد أعلنا أننا على استعداد للتعاون مع الآخرين في قائمة واحدة، والآخرون يتجمعون ضدنا!
لذلك
شرعت في الدعوة لكلمة سواء بيننا لمصلحة وطننا وأمتنا، وشرعت في وضع ميثاق
نلتزم به جميعًا، وهو قابل للتنقيح والتعديل والإضافة، عسانا نتجنب
الاصطفاف والاستقطاب، والتهاتر الذي نعاني منه، ويعاني منه الوطن، ويتمثل
في النقاط التالية:
1- السيادة للشعب، وما يرتضيه الشعب، يجب على كل الأحزاب والفصائل النزول عليه.
2–
يحظر على أي حزبٍ أو فصيل أن يسعى للالتفاف على إرادة الأغلبية الشعبية
بأي وسيلةٍ من الوسائل، فضلاً عن أن يسعى لفرض إرادته عليها؛ لأن هذا هو
الاستبداد الذي ثرنا عليه، وديكتاتورية الأقلية التي نرفضها، وترفضها مبادئ
الشورى والديمقراطية.
3– من حق كل فصيل أن يختار مرجعيته الفكرية والسلوكية، ورؤيته ومنهجه للإصلاح، سواء استمدها من عقيدة الأمة، أم من أي مصدر يرتئيه.
4– ليس من حق أحد أن يفرض مرجعيته ورؤيته على غيره فرضًا، والشعب له الحق في اختيار مرجعيته العامة.
5–
من حق أي مجموعة من الأحزاب أو الفصائل أن تتحالف أو تتعاون على سياسة
تتفق عليها دون إكراه، مع احترام التعددية الفكرية والسياسية، كما أن من
حقها أن تفك هذا التحالف أو أن تخرج منه إحداها إذا رأت فيه ما يتعارض مع
مبادئها وأهدافها.
6–
من البديهي إذا اتفقنا على هذه المبادئ، أن يكون من حق كل حزب أو فصيل أن
يتخذ الموقف الذي يتناسب مع مبادئه وسياساته في مختلف القضايا اليومية من
غير أن يتهمه غيره بالخروج على الإجماع أو غيرها من التهم.
وإننا لنرجو أن يمتثل الجميع لقوله تعالى: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ
لِلَّهِ ولَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ) (النساء: 135)، وقوله تعالى: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ
بِالْقِسْطِ ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا
اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة: .
أما الإخوان المسلمون فسلواهم قول الشاعر:
وإن الذي بيني وبـين بني أبي وبين بنـي عمـي لمختـلف جـدًّا
إن أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن طلبوا هـدمي بنيت لهـم مجدًا
يعيرني بالديْن قـومي وإنـما ديـوني في أشـياء تكسبهم حمـدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهمُ فليس كبير القوم مَن يحمل الحقدا
وأرجو
ألا تقيم (كبير القوم) هذه الدنيا ولا تقعدها، فلست قائلها، وإنما الشاعر
هو الذي يقولها عن نفسه، أما نحن فخدم القوم وإخوانهم الذين نبذل الجهد
والعرق سعيًا لخيرهم.
وأرجو أن يفيء الجميع لكلمة سواء أن ننكر ذواتنا لتعلو أمتنا.