الأحد، 17 يوليو 2011 - 20:49
ماندي
أكرم القصاص
نيلسون مانديلا أحد أعظم الزعماء فى التاريخ، أسقط أخطر الأنظمة العنصرية،
طوال 40 عاماً قضى 29 عاماً منها فى السجن، أسقط النظام الظالم وسعى
لإقامة نظام ديمقراطى، حرر جنوب أفريقيا من العنصرية، ورفض أن يستعبد شعبه،
اليوم هو عيد ميلاد نيلسون مانديلا الثالث والتسعين، ومازال يؤكد أن إقامة
العدل أصعب من هدم الظلم.
مانديلا سعى لإسقاط نظام باطل ليقيم نظاماً عادلاً، وكان يرى أن البيض وهم
يمارسون الفصل العنصرى ضحايا للكراهية والتحيز وضيق الأفق، وأصر على إقامة
نظام عادل وديمقراطى تعيش الأعراق المختلفة فى ظله حياة عدالة وكرامة
وأمان.
بمناسبة عيد ميلاده الثالث والتسعين بعث مانديلا برسالة نشرتها صحيفة
موريتانية ونقلها موقع الحوار المتمدن إلى الثوار فى كل من تونس ومصر، قال
فيها "ما زلت أذكر يوم خرجت من السجن بعد 29 عاماً لأنى حلمت أن أرى بلادى
خالية من الظلم والاستبداد، وأمام السجن تساءلت: كيف سنتعامل مع إرث الظلم
لنقيم مكانه عدلا؟ ويقول للمصريين والتونسيين: أكاد أحس هذا السؤال هو ما
يقلقكم اليوم، وقد تحُدّد الإجابة عليه اتجاه ثوراتكم.. من أرى أن معظم
الوقت مهدر فى سب كل من كانت له صلة تعاون مع النظامين البائدين، وكأن
الثورة لا يمكن أن تكتمل إلا بالتشفى والإقصاء، ويبدو أن الاتجاه العام
عندكم يميل إلى استبعاد كل من كانت له صلة بالأنظمة السابقة، ويقول "ذاك
أمر خاطئ فى نظرى.. أنا أتفهم الأسى الذى يعتصر قلوبكم، وأعرف أن مرارات
الظلم ماثلة، إلا أننى أرى أن استهداف هذا القطاع الواسع من مجتمعكم قد
يسبب للثورة متاعب خطيرة".
يرى مانديلا أن استبعاد كل من كانت له صلة بالأنظمة السابقة قد يشكل خطأ،
وخطراً على الثورة، لأن مؤيدى النظام السابق كانوا يسيطرون على المال
والأمن والعلاقات الخارجية، وأن استهداف المؤسسات الاقتصادية أو غيابها أو
تحييدها قد يشكل كارثة اقتصادية، كما أن استهداف "الفلول" قد يدفعهم للعمل
إلى إجهاض الثورة فى مرحلة تتميز عادة بالهشاشة الأمنية وغياب التوازن.
مانديلا عرف بأنه جمع بين النضال والبرجماتية، ويرى أن التخلص من كل أتباع
النظام السابق صعب، مشيراً إلى تحول بعضهم من منافقة النظام السابق إلى
تمجيد الثورة، ويقول "لا تلوموهم، بل شجعوهم حتى تحيدوهم وثقوا أن المجتمع
فى النهاية لن ينتخب إلا من ساهم فى ميلاد حريته".
ويرى أن النظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية أهم بكثير من الوقوف عند
تفاصيل الماضى المرير، مانديلا عارض مطالب السود بالتفرغ للانتقام، وكان
الخيار الأمثل ولولاه لانجرفت جنوب أفريقيا إلى الحرب الأهلية أو إلى
الديكتاتورية، ويرى أن العنصرية والظلم أحياناً يصيبان المظلوم بنفس أعراض
الظالم ليتحول الانتقام إلى عنصرية عكسية.
مانديلا شكل لجنة "الحقيقة والمصالحة" التى جلس فيها المعتدى والمعتدى عليه
وتصارحا وسامح كل منهما الآخر، مانديلا لا يطلب نسيان الماضى تماماً،
ويؤكد أن "التسامح الحقيقى لا يستلزم نسيان الماضى بالكامل"، وربما تبدو
نصائح مانديلا صادمة للبعض، لكنه بخبرته يؤكد أن تلك السياسة نجحت، لأنها
اعتمدت على التسامح والنظر للمستقبل أكثر مما اعتمدت على الانتقام والثأر،
الذى يسجن من يمارسه فى الماضى، ويمنعه من رؤية المستقبل.
يختم مانديلا رسالته، أتمنى أن تستحضروا قولة نبيكم "اذهبوا فأنتم
الطلقاء"، فى إشارة لمقولة الرسول عليه الصلاة والسلام لمن حاربوه وظلموه
عند فتح مكة، وكانت كلمة مفتاح لبناء الدولة الإسلامية المنتصرة.
مانديلا يقدم نصائحه بعد أن يستأذن ويرى أنه مدين للعرب الذين ساندوا قضيته
يوماً ما، وهو القائد الذى انتصر دون أن يحمل شعبه ثمن سجنه أو معاناته،
وأصر على أن يقاوم غريزة الانتقام المدمرة لكل الأطراف.
لا نريد أن نهمل حساب المفسدين والمجرمين، لكن فقط نريد أن نفكر فى الهدف
"بناء دولة العدالة وإنهاء دولة الظلم".. هذه دروس مانديلا، ومعجزته، ما
الذى يمكننا أن نتعلمه منه.