كتب : وليد فاروق محمد
تصوير : محمد لطفي
درس القانون في كلية الحقوق والفلسفة في كلية
الآداب ويكتب القصة القصيرة والشعر وله أعمال منشورة يعمل
كاتبا صحفيا وتنشر مقالاته في عدة صحف .. اعتزازه وفخره
بحرب أكتوبر وفترة خدمته بالقوات الملسحة أكبر من وصفه
لكنه يعبر عن ذلك بطريقة مختلفة وعملية وفلسفية جدا ,
وأيضا لا يخلو الأمر من روحه الساخرة المرحة في كتاباته
تعالوا نعرف ماذا يدور في عقل المقاتل السابق جلال
عامر بعد 38 عاما من لحظة العبور ..
* بعد 38 سنة عندما يرد ذكر ' حرب أكتوبر ' أمامك .. ما الذي تفكر فيه ؟ !
{ حلم وتحقق .. ثم راح بعدها بسبب الانفتاح والصلح مع
إسرائيل والمثقفون والغلابة ورجال الأعمال كلهم ذهبوا وراء
حلم الانفتاح وكانت النتيجة ما نعيشه الآن لكن رغم
ذلك هناك حقيقة لا يمكن أن ينكرها أحد وهي أن جيش
أكتوبر هو الراعي الرسمي لثورة 25 يناير .. فحافظوا علي '
كرامة ' الشعب و ' هيبة ' الجيش لصد الهجمات المضادة !
* كيف؟
{ نحن دخلنا الحرب وليس كما يعتقد البعض بهدف عسكري
فقط شعب مصر كله حارب .. وكنا نتمني الانتصار علي العدو
لتحقيق التحرير في الخارج .. والعدل في الداخل , الهدف
الأول تحقق لكن العدل لم يقم حتي الآن ولذلك أقول إن
الحلم راح جاءت القطط السمان وكانت النتيجة أن النصر
ورثه من لم يصنعه باختصار .. لم تبق سوي حلاوة النصر
ومرارة النتيجة بعد سنوات من النصر تغيرت الدنيا بسرعة
.. ولم يعد زمان المقاتلين فقد ابتعد السادات عن فقراء
المصريين وأنشأ الحزب الوطني علي أنقاض حزب مصر ثم علي
أنقاض مصر نفسها .. وارتفعت أسعار ' الأكل ' وانتقلنا من (
ابنك يقول لك يا بطل هات انتصار ) إلي ( أمك تقول لك
لو بطل هات الخضار ).
* كثيرون يعتقدون أن ذكري حرب اكتوبر هذا العام وبعد ثورة يناير ستكون مختلفة .. ما رأيك؟ !
{ حرب أكتوبر ستظل قيمتها العظيمة كما هي مهما كانت
الظروف لكن هنا لي رأي .. تمثال الشهيد عبد المنعم رياض
كان موجودا في التحرير وسط حشود ثوار يناير ولم
يحملوا له سوي كل تقدير واحترام وكانوا يلتفون حوله
باعتباره البطل .. ولا أظن أن انتصارات الشعوب تتساقط
لمجرد تحقيق انتصار جديد .. بل تتراكم لتشكل معا تاريخ
أمة ثم أن الناس تفهم خطأ أن نصر أكتوبر صنعه
العسكريون بل الشعب كله وراء نصر اكتوبر وأنا رأيت
بعيني سيدات فلاحات شاركن في صنع وبناء حائط الصواريخ
وكن يحملن الأسمنت تحت غارات الطيران الإسرائيلي , وهناك
مدنيون كثيرون استشهدوا طوال الطريق إلي النصر وهم شركاء
فيه بالتأكيد وعندما دخلت إسرائيل إلي شرق القناة من
الثغرة شارك مدنيون في العمليات الفدائية ومقاومة الاحتلال .
* نعود إلي أيام حرب
أكتوبر الأولي أنتم كمحاربين خلال هذه الفترة .. هل كان
هناك ضمن أحاديثكم تفصيلا بين أدوار أسلحة الجيش المختلفة
أقصد بشكل أوضح .. هل كان الحديث عن الضربة الجوية
الأولي بالشكل الذي كان عليه خلال السنوات الثلاثين
الماضية؟ !
{ بعيدا عن أي تفاصيل عسكرية المدينة الوحيدة التي
تحررت في حرب أكتوبر هي مدينة قنطرة شرق فكل المساحات
التي حررها الجيش المصري خلال أيام الحرب كانت صحراء
داخل سيناء غير مأهولة والفرقة 18 التي كنت أحد أفرادها
هي التي نجحت في تحريرها بقيادة العميد فؤاد عزيز غالي
وهذه المعركة العنيفة التي خضناها كانت معركة اسلحة
مشتركة وهكذا الحرب كلها والحديث فقط عن الضربة الجوية
مع تقديرنا الكبير لدورها كان هدفه الكل يعرفه خلال
السنوات الماضية لكن العسكريين يعرفون تماما أن أصغر
تمرجي في المستشفي العسكري كان دوره في الحرب لا يقل
عن أول مقاتل في الخطوط الأمامية .
* بالمناسبة وبما أنك اقتربت منه .. كلمنا عن البطل فؤاد عزيز غالي ؟ !
{ كلما نطق أي شخص اسم فؤاد عزيز غالي أمامي .. علي
طول أفتكر مصر كان يشبه الفراعنة بكل معجزاتهم صوته
جهوري كأنه صوت الوطن .. شعره كان واقفا مثل نخيل سيناء
هو أول من قال : ' الله أكبر ' يوم 6 أكتوبر واحنا
وراه .
* منذ أيام كتبت تقول ' في 2011 أصبحت الموضة هي كراهية
اليهود ' .. كيف يقول رجل حارب في أكتوبر هذه العبارة؟ !
{ بدون مزايدات .. أنا لا أعرف إسرائيل سوي محاربا لكن
الكراهية لا تصنع نصرا بالعكس .. نحن تعلمنا كيف نحترم
عدونا لابد من الاعتراف بحقائق وهي أنها دولة متقدمة
ويملكون خامس أقوي جيش في العالم ويشاركون بشكل دائم في
الاختراعات والاكتشافات العلمية بآلاف المقالات والأبحاث
كان لابد أن نحترم قدرات عدونا ولذلك انتصرنا عليه لكن
الكراهية بمفردها تصنع مصائب تجعلنا نمشي للأمام ورقابنا
إلي الخلف .
* كيف؟ !
{ أقول لك .. منذ 30 عاما وعندنا 100 ألف منبر و 500
قناة تليفزيونية يبثون الدعوة للكراهية ترتب علي ذلك أن
الناس كرهت إسرائيل وأمريكا , لكن .. أمريكا بيننا وبينها
محيط .. وإسرائيل بيننا وبينها معاهدة والمجتمع الذي يتم
تعبئته بالكراهية يصبح مثل أنبوبة البوتاجاز الجاهزة
للانفجار في أي وقت وكان لابد أن يتم التنفيس عن هذه
الكراهية ولذلك ذهبت إلي كل من حولنا .. جارك وزوجتك
وصديقك وزميلك مفيش حد طايق الثاني لأن الكراهية كما
قلت عمياء فعندنا طاقة كراهية تكفي لحرق العالم مرتين
نستخدمها في الهدم وليس في البناء فالصراع بين دولة وضع
اليد إسرائيل ودولة ' خلو الرجل ' مصر هو صراع حضاري
انظر مثلا .. في كل مكان في الدنيا الحب هو الذي
يجمع بين البشر إلا عندنا في مصر كراهية مبارك جمعتنا
.. وحب الوطن فرقنا .
* لكن الناس من حقها أن
تكره وتحب .. ربما تقصد أنها بعد هذه المشاعر لا تفعل
شيئا إيجابيا صحيح ؟ !
{ المشكلة أننا نعيش في الماضي , السلفيون عندنا مثلا
يعيشون بأسلوب حياة ألف عام مضت , الناصريون يفكرون بطريقة
الستينيات والليبراليون تفكيرهم توقف عند الأربعينيات
والاخوان يقفون علي أعتاب الدولة العباسية العبرة بالخواتيم
والنتائج .. نحن نفتخر ليل نهار بانتصاراتنا في عين
جالوت وحطين والقادسية هل لاحظ أحد أن الأماكن الثلاثة
تحت الاحتلال حاليا !
* ربما وجهة نظرك هذه
تؤيدها جملة كتبتها علي تويتر تقول ' العدو الأول لإسرائيل
هو رجل يبني في صحراء سيناء وامرأة سهرت في معمل
الأبحاث ' ؟ !
{ نعم .. وإضافة إلي ذلك أقول لك : إن إسرائيل هي
عدونا الثاني أما عدونا الأول فهو العلم .. نحن شعب
يكره العلم ولذلك إسرائيل لا تخشي منذ بداية نشأتها سوي
قيام حضارة في وادي النيل لكن الجعجعة والصوت العالي
بالنسبة لها شيء مقبول جدا , الصوت العالي ممكن ينزل حاكم
من علي عرشه مثلما حدث عندنا لكنه لم يهزم محتلا .
* بالمناسبة .. كيف شاهدت موقعة الشواكيش تحطيم الجدار ثم اقتحام السفارة الإسرائيلية؟ !
{ العقل يقول أن نقتحم العلم والفضاء والطاقة
والالكترونيات ووقتها سنقتحم إسرائيل نفسها .. فهل عندما
نقتحم شقة سنحرر فلسطين ! الباب السحري لمحاربة عدونا هو
العلم ثم بصراحة : الدولة التي تعجز عن حماية شقة ..
كيف تحمي عشرين ألف لجنة انتخاب , مصر أقدم دولة في
التاريخ وأكبر دولة في المنطقة و الكبير يتزين بالعقل
والعلم حتي لا يقال ' سياسة ' تفرقهم و ' سفارة ' تلمهم .
* بصفتك في الأصل رجل
عسكري .. بماذا ترد علي من ينتقدون أداء المجلس العسكري
السياسي مؤكدين أنهم لا ينتقدون الجيش هل هذا ممكن ؟ !
{ معسكرات الجيش مثل دور العبادة .. لها قدسيتها صحيح
المجلس العسكري لابد أن يسرع في تنفيذ مطالب الناس ..
لكن أيضا مطالب الناس لابد أن تبطيء من سرعتها وذلك
حتي نلتقي في نقطة وسط ومهما كانت تحفظات البعض لابد
أن نعرف جميعا أن الجيش حاليا في مصر هو الضمانة
الوحيدة لبقاء المجتمع .. وهو الرجل الكبير اللي حسه
بالدنيا وهو المؤسسة المصرية الوحيدة المتماسكة علينا أن
نحافظ علي الكيان الوحيد الذي نلتف حوله .
* في النهاية عندي سؤال فضولي .. ما حكاية الفرح الذي أصبت فيه؟
{ فعلا .. فلا نامت أعين الجبناء , أنا حاربت في أكتوبر
1973 ورأيت الموت بعيني عشرات المرات وحاربت في حرب
الخليج وأيضا شاهدت الموت بعيني لكن شاء الله أن
الرصاصة الوحيدة التي أصبت بها كانت في فرح شعبي يا
ابني كما قلت لك العبرة بالخواتيم وربنا فقط هو الذي
يحدد نهاية كل واحد لقد كان عندنا مقدم أيام حرب
أكتوبر سنة 1973 مسئول عن زراعة الألغام كل يوم يزرع
ألف لغم وهي مهمة خطيرة جدا ورغم ذلك كان ينجو بقدرة
الله وبعدما هدأت الجبهة كان يقف يصطاد سمك عند
القناة فوقع في المياه .. ولأنه مبيعرفش يعوم غرق !
منقول