من أوقات إجابة الدعاء
أ - ثلث اللّيل الآخر :
5 - ثلث اللّيل الآخر من مواطن الإجابة ، ودليل ذلك ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « ينزل ربنا تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السّماء الدنيا حين يبقى ثلث اللّيل الآخر ، يقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له » . وفي رواية : « حتّى ينفجر الفجر » .
ونقل ابن حجر عن الزهريّ أنّه قال : ولذلك كانوا يفضّلون صلاة آخر اللّيل على أوّله . وذهب بعض العلماء إلى أنّ هذا الوقت يبدأ من منتصف اللّيل إلى أن يبقى من اللّيل سدسه ، ثمّ يبدأ وقت السّحر ، وهو موطن آخر ، لما روى عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال : « قلت : يا رسول اللّه أي اللّيل أسمع ؟ قال : جوف اللّيل الآخر » .
على أنّه قد ورد من حديث جابر رضي الله عنه قال : سمعنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : « إنّ في اللّيلة لساعةً لا يوافقها رجل مسلم يسأل اللّه خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلّا أعطاه إيّاه ، وذلك كلّ ليلة » ، وهو يعني أنّ اللّيل كلّه مظنَّة إجابة .
ب - وقت السَّحر :
6 - السّحر هو آخر اللّيل قبل أن يطلع الفجر .
وقيل : هو من ثلث اللّيل الآخر إلى طلوع الفجر .
ويرى الغزالي أنّه السدس الأخير من اللّيل .
قال القرطبي : هو وقت ترجى فيه إجابة الدعاء ، ونقل عن الحسن في قوله تعالى : { كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ، قال : مدوا الصّلاة من أوّل اللّيل إلى السّحر ، ثمّ استغفروا في السّحر .
ج - بعد الزّوال :
7 - قال النّووي : يستحب الإكثار من الأذكار وغيرها من العبادات عقب الزّوال لما رُوِّينا عن عبد اللّه بن السّائب رضي الله عنه « أنَّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يصلّي أربعاً بعد أن تزول الشّمس قبل الظهر ، وقال : إنّها ساعة تفتح فيها أبواب السّماء ، وأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح » .
د - يوم الجمعة وليلتها وساعة الجمعة :
8 - ورد الحديث بأنّ « يوم الجمعة خير يوم طلعت عليه الشّمس » ، وورد حديثٌ في قبول الدعاء يوم الجمعة من غير نظر إلى ساعة الجمعة .
أمّا ساعة الجمعة ، فقال الشّوكاني : تواترت النصوص بأنّ في يوم الجمعة ساعةً لا يسأل العبد فيها ربّه شيئاً إلّا أعطاه إيّاه .
وقد روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صلى الله عليه وسلم من طرقٍ عن عدد من الصّحابة رضي الله عنهم ذكر ساعة الإجابة يوم الجمعة ، منها ما روى أبو هريرة رضي الله عنه : رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذكر يوم الجمعة فقال : « فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلّي يسأل اللّه تعالى شيئاً إلّا أعطاه إيّاه . وأشار بيده يقلِّلها » .
وعن أبي لبابة البدريّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلى الله عليه وسلم قال : « إنّ يوم الجمعة سيِّد الأيّام وأعظمها عند اللّه . . . فيه خمس خلال فذكر منهنّ : وفيه ساعة لا يسأل اللّه فيها العبد شيئاً إلّا أعطاه ما لم يسأل حراماً » .
واختلف الفقهاء والمحدّثون في تعيين السّاعة المذكورة على أكثر من أربعين قولاً ، عدّدها الشّوكاني ، ونقل عن المحبّ الطّبريّ أنّه قال : أصح الأحاديث في تعيينها حديث أبي موسى رضي الله عنه أنّه سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صلى الله عليه وسلم يقول في ساعة الجمعة : « هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصّلاة » ، واختار ذلك النّووي أيضاً.
وأمّا ليلة الجمعة ، فقد روي من حديث ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صلى الله عليه وسلم قال لعليّ رضي الله عنه : « إنّ في ليلة الجمعة ساعةً الدعاء فيها مستجاب » . نقله الشّوكاني في تحفة الذّاكرين .
هـ - أيّام رمضان ولياليه وليلة القدر :
9 - فضل رمضان معروف . واستدلَّ بعضهم لإجابة الدعاء فيه بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلى الله عليه وسلم : « ثلاثة لا ترد دعوتهم الصّائم حتّى يفطر . . . » .
وأمّا ليلة القدر ، فقد ورد فيها عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت : « يا رسول اللّه أرأيتَ إن علمتُ أي ليلةٍ ليلةُ القدر ما أقول فيها ؟ قال : قولي : اللَّهُمَّ إنّك عفو كريم تحب العفو فاعفُ عنّي » .
وإنّما كانت موطناً ؛ لإجابة الدعاء لأنّها ليلة مباركة تتنزّل فيها الملائكة ، جعلها اللّه تعالى لهذه الأمّة خيراً من ألف شهر ، وقال تعالى في شأنها : { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } ، قال الشّوكاني : وشرفها مستلزم لقبول دعاء الدّاعين فيها ، ولهذا أمرهم النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم صلى الله عليه وسلم بالتماسها ، وحرّض الصّحابة على ذلك .