الإثنين، 9 مايو 2011 - 08:52
خالد صلاح رئيس التحرير
أنا أيضا شاهد عيان لما جرى فى إمبابة، ليس فقط باعتبارى صحفيا
جرى إلى مكان الحدث بعد ساعات من وقوع هذه الاشتباكات الدامية والحرائق
المقيتة، ولكن لأننى أنتمى بحكم المولد والتاريخ لهذا الحى العريق
«إمبابة»، كما أننى انتميتُ أيضا فى فترة مبكرة من صباى إلى إحدى الحركات
الإسلامية الجهادية، كغيرى من الشباب المسلم الذى اعتبر فى فجر رجولته, أنه
لا حرية ولا إصلاح إلا بالقضاء على زمرة الفاسدين التى تحكم مصر، وخالطتُ
عن قرب هذا الشباب الحائر الذى لم يكن يرى مستقبل بلاده إلا باستعادة
العدالة الغائبة فى بلد يستحق أن يكون حرا وكريما الآن.. وإلى الأبد.
«إمبابة» رغم استقرارها على خريطة الحركات الإسلامية السلفية المعاصرة,
باعتبارها بؤرة نشطة لأفكار جماعتى الجهاد والجماعة الإسلامية، فإنها عاشت
بمنأى عن الاحتقانات الطائفية التى شهدتها أحياء ومدن وقرى أخرى فى مصر.
كانت «إمبابة» فى منتصف الثمانينيات ساحة واسعة، تنافست فيها الجماعة
الإسلامية مع جماعة الجهاد، جنبا إلى جنب مع تنظيمات جهادية صغيرة الحجم،
بالإضافة إلى الوجود الناعم والهادئ لمساجد السلفيين. ورغم الانتشار المهيب
والمؤثر لهذه الجماعات، لم تكن أجندة أى منها تضع الأقباط أو الكنائس
المسيحية ضمن أولوياتها (الجهادية)، ولم يكن أى من هذه الجماعات يستهدف
الكنائس، أو القيادات القبطية، أو القساوسة والكهنة، أو محال الأقباط فى
المنطقة، بل على العكس.. كانت قيادات التيار الجهادى تنظر لهذه الأفكار
باعتبارها نقيصة، لا ينبغى أن تنجرف إليها، باعتبار أن الأولويات السياسية
لهذه الجماعات ترى فى (كنس النظام من أعلى) الهدف الأسمى والأعلى (سياسيا
ودينيا).
كنت صبيا حينها يدخل عامه السادس عشر، عندما اقتربتُ من حركة «الجهاد
الإسلامى» التى انتشرت دعوتها فى حذر بالغ فى عدد من المساجد الصغيرة التى
خرجت عن طوق «الجماعة الإسلامية» الأعظم انتشارا فى ذلك الحين، وقتها كان
العدو هو إسرائيل، وكان العدو هو النظام السياسى الغاشم الذى يحرم شعب مصر
من العدالة والحرية، وكان العدو هو الجهاز الأمنى المتورط فى حماية النظام
بمختلف وسائل الاضطهاد والتعذيب والسجن خارج القانون، وأشهد هنا أن
المسيحيين المصريين، خاصة هؤلاء الذين يسكنون «إمبابة»، وتعلو أصوات أجراس
كنائسهم فى الصلاة ليلا ونهارا، لم يكونوا أبدا ضمن قائمة الأعداء التى
ينبغى التعامل معها من قبل هذه الحركات الجهادية الحالمة. المسيحيون كانوا
أكثر أمنا فى هذا الحى الكبير، وكنائسهم كانت أكثر اطمئنانا، حتى عندما
سوقت أجهزة الدعاية الحكومية فى مطلع التسعينيات قصة الشيخ جابر وجمهورية
إمبابة المزعومة، لم يكن استهداف المسيحيين ضمن قائمة الاتهامات التى راجت
ضد جابر، ولم يثبت أن جابر أو أيا من زملائه فى تنظيم الجماعة الإسلامية،
كانوا متورطين على أى نحو فى احتقانات طائفية بين المسلمين والمسيحيين فى
إمبابة.
كانت الكنائس تفتح أبوابها باطمئنان على الشارع، وكانت المناطق السكنية ذات
الأغلبية المسيحية، مثل شارع الجهاد المتفرع من شارع الوحدة، أو منطقة
البصراوى فى المنيرة الغربية، تتزين بالصلبان فى الأعياد المسيحية، وتعلو
فيها أصوات الأجراس يومى الأحد والجمعة، دون أن نشهد واقعة تحرش واحدة بين
مسلم ومسيحى، أو بين ناشط جهادى سلفى، وأحد السكان الأقباط فى الجوار.
وأرجوك أن تراجع الصحف المصرية بين عامى 1987 و1997 لتعرف أنه طوال عشر
سنوات من النشاط السياسى للحركات السلفية الجهادية، لم يتم الاعتداء على
كنسية، ولم تعرف «إمبابة» أى نوع من الاحتقانات الطائفية.
فما الذى تغير الآن إذن؟ هل تغيرت «إمبابة»؟ أم هل تغيرت الأفكار؟ أم أن
هناك أيادى أخرى لا نعرفها هى التى قادت حالة الاحتقان إلى هذه الحدود
الدامية فى ليلة الفتنة فى «إمبابة»؟
كيف يمكن أن يعيش المسيحيون فى أمان مطلق فى إمبابة فى زمن النشاط الأعظم
للتيار السلفى الجهادى، ثم يتدهور الأمر إلى قتال طائفى فى وقت لم يعد فيه
لهذه التيارات الجهادية وجود حقيقى فاعل على الأرض فى الحى نفسه لسنوات
طويلة؟
أحد أهم شهود العيان لوقائع السبت الأسود فى «إمبابة» هو الشيخ محمد على،
وأرجو أن تقرأ شهادته هنا على صفحات ملف الأحداث فى إمبابة، وهى الشهادة
التى انفردت «اليوم السابع» بنشرها على الموقع الإلكترونى بعد ساعات قليلة
من الأحداث، الشيخ محمد أكد بكل يقين أن النشطاء السلفيين كانوا أقلية فى
مشهد التجمهر أمام كنسية مار مينا، كما أكد أيضا أنه شخصيا لم يقتنع برواية
(الزوج الذى يريد إنقاذ زوجته من مختطفيها فى الكنيسة)، فالسيدة عبير لم
تظهر أمام الكنيسة، والرجل الذى روى قصة زواجه منها، واختطافها من أسيوط،
وإخفائها فى إمبابة، لم يكن مقنعا حتى لرجال الشرطة الذين اصطحبوه إلى مبنى
الكنيسة للتحقيق فى بلاغ الاختطاف.
وإن كان رجل مثل الشيخ محمد على، وهو من الكوادر السلفية صاحبة التأثير
الروحى والاجتماعى فى «إمبابة» لم يقتنع برواية الاختطاف، ولم يكن لديه علم
مسبق بطبيعة الحدث، أو بالتطورات التى سينتهى إليها، فإن ذلك يعنى بكل
يقين أن أيادى أخرى دبرت كل ما جرى، وأستأذنك أن تضيف إلى ذلك أن شهود
العيان أمام كنيسة العذراء فى شارع الوحدة، أكدوا أن عناصر (غير ملتحية) هى
التى بدأت الهجوم على الكنيسة وإحراقها، مما يعنى أن النشطاء السلفيين لم
يكونوا فى صدارة المشهد هنا عند وقوع الحريق، صحيح أن بعضهم اشترك فى
الاشتباكات عند كنيسة مار مينا فى شارع الأقصر، لكن التطور التالى فى شارع
الوحدة كان شاذا وغريبا ولا مبرر له، مما يشير حتما إلى أن عناصر لا نعرفها
ساهمت فى تسخين الأجواء، وأرادت عمدا إشعال حالة الاحتقان فى «إمبابة» إلى
الحد الذى قاد إلى التدهور الدامى على أرض «إمبابة».
السلفيون هنا قد يكونون جزءا من الحدث، لكن مدبرى الحدث كانوا يلعبون من
وراء ستار، فمن هى عبير؟ ومن هو زوجها؟ وكيف استطاع هذا الرجل القادم من
أسيوط بحثا عن زوجته المخطوفة- على حد قوله- أن يجيّش هذا العدد الهائل من
أهالى إمبابة وراءه؟ ثم كيف خرجت هذه الأسلحة فجأة؟ وكيف ظهرت قنابل
المولوتوف التى حرقت الكنيسة؟ هل كان كل ذلك مدبرا سلفا؟ وإذا كانت قيادات
السلفيين وأبرز مشايخ إمبابة شاركوا فى الحوار لحل هذه الأزمة أمام كنيسة
مار مينا، فمن الذى قاد المعركة إذن؟
أخشى أن الاستسهال فى توزيع الاتهام يشتت الانتباه بعيدا عن الفاعل
الحقيقى، وأخشى أيضا أن تكون لهذا الفاعل المجهول أهداف أخرى لا تبتغى ضرب
كنيسة، أو دفاعا عن دين أو عقيدة أو امرأة مختطفة، بل لضرب وطن بالكامل،
وتمهيد الأرض للتدخلات الدولية فى شؤون مصر، فى الوقت الذى نعانى فيه من
فراغ سياسى غير مسبوق فى التاريخ.
فإذا كانت الأحداث فى «إمبابة» أكدت وجود جهود وساطة سلفية لحل أزمة هذا
الزوج القادم من أسيوط، فمن أطلق النار إذن؟ ومن قرر نقل المعركة من شارع
الأقصر إلى حرق الكنيسة فى شارع الوحدة؟
من صاحب المصلحة فى تحريك ماكينة التدخلات الدولية فى الشأن المصرى؟
ومن صاحب المصلحة فى أن يكون الاحتقان الطائفى هو الملف الأكثر اشتعالا بعد الثورة؟
ومن يستطيع استغلال الفراغ السياسى لتعطيل حركة استعادة الحرية والديمقراطية، ووضع مصر بالكامل تحت رحمة البطش من جديد؟
مجرد أسئلة.. لأننى أخشى أننا صرنا نستسلم للأجوبة السهلة، دون أن نتأمل فى
الحدث وتفاصيله، ولا أمل فى حل حقيقى إن كان كل منا ينحاز إلى الإجابة
المريحة لضميره، أو التى تتفق مع معتقداته وأهدافه، نحن أمام أسئلة جادة
ربما تقودنا إلى فاعل آخر مجهول، على الأقل مجهول لنا نحن حتى الآن.
خالد صلاح رئيس التحرير
أنا أيضا شاهد عيان لما جرى فى إمبابة، ليس فقط باعتبارى صحفيا
جرى إلى مكان الحدث بعد ساعات من وقوع هذه الاشتباكات الدامية والحرائق
المقيتة، ولكن لأننى أنتمى بحكم المولد والتاريخ لهذا الحى العريق
«إمبابة»، كما أننى انتميتُ أيضا فى فترة مبكرة من صباى إلى إحدى الحركات
الإسلامية الجهادية، كغيرى من الشباب المسلم الذى اعتبر فى فجر رجولته, أنه
لا حرية ولا إصلاح إلا بالقضاء على زمرة الفاسدين التى تحكم مصر، وخالطتُ
عن قرب هذا الشباب الحائر الذى لم يكن يرى مستقبل بلاده إلا باستعادة
العدالة الغائبة فى بلد يستحق أن يكون حرا وكريما الآن.. وإلى الأبد.
«إمبابة» رغم استقرارها على خريطة الحركات الإسلامية السلفية المعاصرة,
باعتبارها بؤرة نشطة لأفكار جماعتى الجهاد والجماعة الإسلامية، فإنها عاشت
بمنأى عن الاحتقانات الطائفية التى شهدتها أحياء ومدن وقرى أخرى فى مصر.
كانت «إمبابة» فى منتصف الثمانينيات ساحة واسعة، تنافست فيها الجماعة
الإسلامية مع جماعة الجهاد، جنبا إلى جنب مع تنظيمات جهادية صغيرة الحجم،
بالإضافة إلى الوجود الناعم والهادئ لمساجد السلفيين. ورغم الانتشار المهيب
والمؤثر لهذه الجماعات، لم تكن أجندة أى منها تضع الأقباط أو الكنائس
المسيحية ضمن أولوياتها (الجهادية)، ولم يكن أى من هذه الجماعات يستهدف
الكنائس، أو القيادات القبطية، أو القساوسة والكهنة، أو محال الأقباط فى
المنطقة، بل على العكس.. كانت قيادات التيار الجهادى تنظر لهذه الأفكار
باعتبارها نقيصة، لا ينبغى أن تنجرف إليها، باعتبار أن الأولويات السياسية
لهذه الجماعات ترى فى (كنس النظام من أعلى) الهدف الأسمى والأعلى (سياسيا
ودينيا).
كنت صبيا حينها يدخل عامه السادس عشر، عندما اقتربتُ من حركة «الجهاد
الإسلامى» التى انتشرت دعوتها فى حذر بالغ فى عدد من المساجد الصغيرة التى
خرجت عن طوق «الجماعة الإسلامية» الأعظم انتشارا فى ذلك الحين، وقتها كان
العدو هو إسرائيل، وكان العدو هو النظام السياسى الغاشم الذى يحرم شعب مصر
من العدالة والحرية، وكان العدو هو الجهاز الأمنى المتورط فى حماية النظام
بمختلف وسائل الاضطهاد والتعذيب والسجن خارج القانون، وأشهد هنا أن
المسيحيين المصريين، خاصة هؤلاء الذين يسكنون «إمبابة»، وتعلو أصوات أجراس
كنائسهم فى الصلاة ليلا ونهارا، لم يكونوا أبدا ضمن قائمة الأعداء التى
ينبغى التعامل معها من قبل هذه الحركات الجهادية الحالمة. المسيحيون كانوا
أكثر أمنا فى هذا الحى الكبير، وكنائسهم كانت أكثر اطمئنانا، حتى عندما
سوقت أجهزة الدعاية الحكومية فى مطلع التسعينيات قصة الشيخ جابر وجمهورية
إمبابة المزعومة، لم يكن استهداف المسيحيين ضمن قائمة الاتهامات التى راجت
ضد جابر، ولم يثبت أن جابر أو أيا من زملائه فى تنظيم الجماعة الإسلامية،
كانوا متورطين على أى نحو فى احتقانات طائفية بين المسلمين والمسيحيين فى
إمبابة.
كانت الكنائس تفتح أبوابها باطمئنان على الشارع، وكانت المناطق السكنية ذات
الأغلبية المسيحية، مثل شارع الجهاد المتفرع من شارع الوحدة، أو منطقة
البصراوى فى المنيرة الغربية، تتزين بالصلبان فى الأعياد المسيحية، وتعلو
فيها أصوات الأجراس يومى الأحد والجمعة، دون أن نشهد واقعة تحرش واحدة بين
مسلم ومسيحى، أو بين ناشط جهادى سلفى، وأحد السكان الأقباط فى الجوار.
وأرجوك أن تراجع الصحف المصرية بين عامى 1987 و1997 لتعرف أنه طوال عشر
سنوات من النشاط السياسى للحركات السلفية الجهادية، لم يتم الاعتداء على
كنسية، ولم تعرف «إمبابة» أى نوع من الاحتقانات الطائفية.
فما الذى تغير الآن إذن؟ هل تغيرت «إمبابة»؟ أم هل تغيرت الأفكار؟ أم أن
هناك أيادى أخرى لا نعرفها هى التى قادت حالة الاحتقان إلى هذه الحدود
الدامية فى ليلة الفتنة فى «إمبابة»؟
كيف يمكن أن يعيش المسيحيون فى أمان مطلق فى إمبابة فى زمن النشاط الأعظم
للتيار السلفى الجهادى، ثم يتدهور الأمر إلى قتال طائفى فى وقت لم يعد فيه
لهذه التيارات الجهادية وجود حقيقى فاعل على الأرض فى الحى نفسه لسنوات
طويلة؟
أحد أهم شهود العيان لوقائع السبت الأسود فى «إمبابة» هو الشيخ محمد على،
وأرجو أن تقرأ شهادته هنا على صفحات ملف الأحداث فى إمبابة، وهى الشهادة
التى انفردت «اليوم السابع» بنشرها على الموقع الإلكترونى بعد ساعات قليلة
من الأحداث، الشيخ محمد أكد بكل يقين أن النشطاء السلفيين كانوا أقلية فى
مشهد التجمهر أمام كنسية مار مينا، كما أكد أيضا أنه شخصيا لم يقتنع برواية
(الزوج الذى يريد إنقاذ زوجته من مختطفيها فى الكنيسة)، فالسيدة عبير لم
تظهر أمام الكنيسة، والرجل الذى روى قصة زواجه منها، واختطافها من أسيوط،
وإخفائها فى إمبابة، لم يكن مقنعا حتى لرجال الشرطة الذين اصطحبوه إلى مبنى
الكنيسة للتحقيق فى بلاغ الاختطاف.
وإن كان رجل مثل الشيخ محمد على، وهو من الكوادر السلفية صاحبة التأثير
الروحى والاجتماعى فى «إمبابة» لم يقتنع برواية الاختطاف، ولم يكن لديه علم
مسبق بطبيعة الحدث، أو بالتطورات التى سينتهى إليها، فإن ذلك يعنى بكل
يقين أن أيادى أخرى دبرت كل ما جرى، وأستأذنك أن تضيف إلى ذلك أن شهود
العيان أمام كنيسة العذراء فى شارع الوحدة، أكدوا أن عناصر (غير ملتحية) هى
التى بدأت الهجوم على الكنيسة وإحراقها، مما يعنى أن النشطاء السلفيين لم
يكونوا فى صدارة المشهد هنا عند وقوع الحريق، صحيح أن بعضهم اشترك فى
الاشتباكات عند كنيسة مار مينا فى شارع الأقصر، لكن التطور التالى فى شارع
الوحدة كان شاذا وغريبا ولا مبرر له، مما يشير حتما إلى أن عناصر لا نعرفها
ساهمت فى تسخين الأجواء، وأرادت عمدا إشعال حالة الاحتقان فى «إمبابة» إلى
الحد الذى قاد إلى التدهور الدامى على أرض «إمبابة».
السلفيون هنا قد يكونون جزءا من الحدث، لكن مدبرى الحدث كانوا يلعبون من
وراء ستار، فمن هى عبير؟ ومن هو زوجها؟ وكيف استطاع هذا الرجل القادم من
أسيوط بحثا عن زوجته المخطوفة- على حد قوله- أن يجيّش هذا العدد الهائل من
أهالى إمبابة وراءه؟ ثم كيف خرجت هذه الأسلحة فجأة؟ وكيف ظهرت قنابل
المولوتوف التى حرقت الكنيسة؟ هل كان كل ذلك مدبرا سلفا؟ وإذا كانت قيادات
السلفيين وأبرز مشايخ إمبابة شاركوا فى الحوار لحل هذه الأزمة أمام كنيسة
مار مينا، فمن الذى قاد المعركة إذن؟
أخشى أن الاستسهال فى توزيع الاتهام يشتت الانتباه بعيدا عن الفاعل
الحقيقى، وأخشى أيضا أن تكون لهذا الفاعل المجهول أهداف أخرى لا تبتغى ضرب
كنيسة، أو دفاعا عن دين أو عقيدة أو امرأة مختطفة، بل لضرب وطن بالكامل،
وتمهيد الأرض للتدخلات الدولية فى شؤون مصر، فى الوقت الذى نعانى فيه من
فراغ سياسى غير مسبوق فى التاريخ.
فإذا كانت الأحداث فى «إمبابة» أكدت وجود جهود وساطة سلفية لحل أزمة هذا
الزوج القادم من أسيوط، فمن أطلق النار إذن؟ ومن قرر نقل المعركة من شارع
الأقصر إلى حرق الكنيسة فى شارع الوحدة؟
من صاحب المصلحة فى تحريك ماكينة التدخلات الدولية فى الشأن المصرى؟
ومن صاحب المصلحة فى أن يكون الاحتقان الطائفى هو الملف الأكثر اشتعالا بعد الثورة؟
ومن يستطيع استغلال الفراغ السياسى لتعطيل حركة استعادة الحرية والديمقراطية، ووضع مصر بالكامل تحت رحمة البطش من جديد؟
مجرد أسئلة.. لأننى أخشى أننا صرنا نستسلم للأجوبة السهلة، دون أن نتأمل فى
الحدث وتفاصيله، ولا أمل فى حل حقيقى إن كان كل منا ينحاز إلى الإجابة
المريحة لضميره، أو التى تتفق مع معتقداته وأهدافه، نحن أمام أسئلة جادة
ربما تقودنا إلى فاعل آخر مجهول، على الأقل مجهول لنا نحن حتى الآن.