كتبت رانيا فزاع وصفاء عاشور
أدى فض اعتصام ميدان التحرير أمس إلى تغير خطط مئات المصريين،
الذين أردوا الجمع بين بركة الشهر الكريم، وقدسية ميدان التحرير عن طريق
إفطار أول أيام شهر الصوم بالميدان، إلا إن فض الاعتصام بما شابه من عنف
ومباغته حال دون ذلك.
فما شهده الميدان أمس هو إفطار جماعى من نوع آخر، إفطار بالملابس الميرى
لأفراد الأمن المركزى، والبدلات المموهة للشرطة العسكرية، والقليل من أهالى
الشهداء الذين سمحت لهم قوات الأمن بالإفطار فى الميدان قبل إجبارهم على
المغادرة.
"اليوم السابع"، رصدت ملامح الميدان فى أولى أيام الشهر الكريم عقب ساعات
قليلة من فض الاعتصام، واستطلعت أراء أصحاب المحلات حول الأحداث التى شهدها
الميدان، وتابعت محاولات النشطاء للتجمع فى الميدان.
الساعة الخامسة والنصف.
الحرارة تقل تدريجيا والميدان يكاد يخلو من المعتصمين عدا أعداد قليلة أحاط
بها رجال الشرطة العسكرية وضباط الأمن فى جدال حاول أحقيتهم فى الاعتصام،
وعربات القمامة تدخل الميدان، ويعمل رجالها فى جد لإزالة الخيام المهدمة،
بكل ما تحتويه، وإلقائها فى حاويات القمامة العملاقة، "ماما نور" إحدى أشهر
المعتصمات بميدان التحرير، تقف على أطراف الصنية تبكى، وتحكى كيف أجبرت
على ترك خيماتها بكل ما فيها، من تلفزيون صغير، ومروحة، فقد تركت ماما نور
بيتها منذ 8 يوليو الماضى، وقررت الاعتصام فى الميدان، وكانت خيمتها
الواسعة تسع عشرات الناشطات اللاتى كن يفضلن المبيت فى خيمتها الآمنة، تقول
السيدة باكية: "عشان إحنا مش مسيسين يعنى يعملو فينا كده"، وتكمل أنها ترى
أن السبب الرئيسى فى فض الميدان يرجع إلى تعليق العديد من القوى السياسية
اعتصامها تاركة غير المسيسين وحدهم، أعداد قليلة وبدون قدرة تنظيمية.
بالقرب من جامع عمر مكرم أيضا تجمع عدد قليل من المعتصمين يتجادلون فيما
بينهم عن أسباب فض الاعتصام، فيما تعالت الاتهامات بينهم بالعمل لصالح
الأمن، أحد أطفال الشوارع حدث "اليوم السابع" عن معارك دامية حدثت بين
المعتصمين وقوات الأمن أثناء فض الاعتصام، فيما نفى "سامح" أحد الشباب
المعتصمين ذلك، وقال: "كان فى ضرب بالعصيان شديد شوية بس لتفريق المعتصمين،
وماكانش فيه إصابات".
الساعة السابعة إلا ربع.
ثلث ساعة على موعد الإفطار، المحلات بالميدان مازالت مغلقة، حتى المطاعم
منها، أصحابها أغلقوها خوفا من تعرضها للتحطم أثناء اقتحام الميدان، أعداد
قوات الأمن تزداد فى سيطرة تامة على جميع مداخل الميدان حتى الفرعية منها،
مدرعات الشرطة تدخل للمرة الأولى إلى الميدان منذ جمعة الغضب، يهمس أحد
الناشطين أن المدرعات هذه المرة استحدثت غطاء للعجلات، وذلك لمنع إتلافها
بوضع خشبة ملئيه بالمسامير فى أحد الجوانب، كما فعل الثوار فى يوم الغضب
لشل المدرعات ومنعها من مطارداتهم، عدد من أفراد الأمن المركزى يستعينون
بأحد خراطيم المياه للوضوء من أجل الصلاة، وسائقو العربات الملاكى التى تمر
من الميدان يتبادلون التحية مع رجال الشرطة العسكرية، قائلين "رجالة
والله"، عدد من الضباط الشباب يهتفون بالنشطاء المتجمعين على أطراف الميدان
هاتفين "كفاية اعتصام بقى عايزين نفطر فى بيوتنا"، صاحب عربة العصير الذى
احتل الميدان لأيام يقف فى أحد الشوارع الجانبية، ويتهافت عليه الجنود
للحصول على أكواب من العصير قبل دقائق من موعد الإفطار.
"حسام" مهندس الكومبيوتر الشاب يقول، إنه لا يعتصم بشكل دائم فى الميدان،
وأنه قرر اليوم الاجتماع بأصدقائه هنا، وحضور الإفطار الجماعى الذى كان من
المقرر أن يشهده الميدان قبل فضه، حسام يلوح بعلم مصر، ويقرر البقاء فى
الميدان رغم رحيل أغلبية المعتصمين: "أنا هافطر هنا مع أهالى الشهداء، ومش
هامشى إلا لما أطمن عليهم".
الساعة السابعة والنصف
الأمن يسيطر بشكل تام على جميع مداخل ومخارج الميدان، وتشاهد عربات الأمن
المركزى بكثافة غير معهودة منذ ثورة ال25 من يناير خاصة بميدان طلعت حرب
ميدان التحرير، تم إخلاؤه بالكامل من المعتصمين وأهالى الشهداء، ويفتح
أصحاب المحلات أبوابهم فى بطء وحذر، عدد من أصحاب المحلات أكدوا أن
المفاوضات بينهم وبين اللجان الشعبية فى الميدان بدأت منذ مساء يوم الأحد
الماضى، وذلك لمحاولة التوصل إلى اتفاق يقضى بفتح الميدان خلال شهر رمضان
من الصباح، وحتى الثامنة مساء، فرمضان "موسم"، وإغلاق الشوارع المؤدية إلى
الميدان "تعطل الحال"، شريف البارودى صاحب محل أدوات كهربائية بالقرب من
الميدان، أكد سعادته بفض الميدان، الذى شارك فى فضة كمساعدة لرجال الشرطة،
شريف كشف أن فض الاعتصام جاء بناء على بلاغ جماعى، قدمه عشرات من بائعى
الأدوات الكهربائية بالمنطقة المحيطة بالميدان يتهمون فيه المعتصمين بوقف
حالهم، ويطالبون جهات الأمن بإعادة فتح الميدان.
أكد شريف البارودى أن البائعين الذين قدموا الشكوى كانوا ينون فض اعتصام
الميدان بأيدهم، حماية لقوت أولادهم وبات التجار يرفضون توصيل "الطلبيات"
إلى محلاتهم منذ بدء الاعتصام بالميدان، "لأن ده فيه لافه جامدة"، كذلك
الزبائن يريدون توصيل طلباتهم إلى المنازل خوفا من "بتوع التحرير"،على حد
تعبير شريف، الذى أكد أن دخله اليومى لم يعد يكفى "مصاريف المحل"، إذا وصل
دخله فى بعض الأيام إلى 160 جنيها، فى حين كان يصل دخله اليومى قبل الثورة
إلى 10 ألاف ويزيد.
أصحاب محلات الأطعمة والعصائر حول الميدان، فهم استفادوا خلال فترات
الاعتصام من الزخم البشرى وزادت مبيعاتهم كثيرا، ويختلف الحال مع أصحاب
محلات الخردوات والأدوات المكتبية ولعب الأطفال عبد الله محمد صاحب أحد
محلات بيع الأدوات المكتبية القريبة من الميدان، أكد أن البيع والشراء لم
يقل كثيرا عن قبل الثورة، ولم يزد كذلك، وإن زادت الأرباح بعد اختفاء شرطة
المصنفات التى كانت تفرض "إتوات" على أصحاب المحلات، ومن يمتنع يتعرض لغلق
محله وغرامة مالية كبيرة.
وأضاف محمد، "وبعدين حتى لو كنا بنخسر فده كله كلفة نصر، وكله يهون عشان الثورة تنجح".